الأفلاطونية المحدثة
شهدت القرون الأولى للمسيحية تطور تيار جديد في التأمل الفلسفي مركب من الوحي الأفلاطوني , الفيثاغورثية , الميول التأملية والصوفية للحكمة الشرقية . وتجسد هذا التيار ( حوالي عام 250ب. م) بتأسيس مدرسة "أفلوطين" في الإسكندرية ( أثينا ذلك العهد). وبحسب هذه الشمولية الإلهية أي وحدة الوجود ( الله هو الكل) الغامضة والشاعرية فإن أصل كل شيء هو "الواحد" أي "الإلهي" .... وهو الخير في كماله وتمركزه الأعليين ولكن فيه ميلا خلاقا داخليا جارفا يدفعه إلى الإشعاع التلقائي متشعبا إلى قدر لا نهائي من "المُثُل" الخالصة , ثم إلى التكرار في قدر لا نهائي من الأرواح الجزئية تحتفظ كل منها بجزيء من ماهية "الكائن المطلق" , ويرافق هذا التكرار بالضرورة تدن قوامه المادية وظهور أفراد موجودين في الزمان وفي المكان . أما الشر فهو التالي الإبتعاد عن " الإلهي" الأصلي , وأفدع من ذلك الإنغلاق داخل هذه "النهائية" وهذا الإنحطاط وارتضائهما . وأما طريق الخلاص فهي في حركة " تحول عكسي"هي عودة الروح تدريجيا نحو الإله حتى يتم استغراقها فيه من جديد , وهذا ما تنجم عنه المراحل المختلفة للحياة الأخلاقية , وهي أولا ممارسة الفضائل المتواضعة. ( التعفف , العدالة .... إلخ) التي تطهر الروح بتحريرها إياها من الروابط المادية , ثمالحياة التأملية بعدئذ , أي البحث في داخل الذات بواسطة " العين الداخلية" عن الحضور الإلهي , وهو بحث صادر عن وحي جمالي أكثر منه عن وحي عقلي , لأن الجمال يشكل بحسب "أفلوطين" الإنعكاس الأرضي للخصب الحي واللامتناهي للخير ويدل أخيرا ( لأن هذه المراحل ليست سوى تأهيل للحياة الإلهية ) نصل إلى الوجد , وهو الإتحاد العميق مع " الأحد " حالة الكمال والسعادة الكلية التي تُمنح للحكيم وحده دون أن يتمكن من بلوغها إلا في العارض النادر , فهي تُمنح له بنوع من اللطف الإلهي لا يستطيع هذا من أجله إلا انتظارا ( كما تنتظر العين المتجهة نحو الأفق الشمس التي ستشرق ) , فيما يكون قد علق في داخله كل فكرة وكل ما يتضمن تمييزا لذات أو لموضوع .