البروتستانتية
تحتل البروتستانتية المقام الأول بين الإنشقاقات المسيحية العديدة , سواء من وجهة النظر الروحية أم من حيث اهميتها العددية وهم موزعون بين ما يقرب (250) طائفة نستطيع اعتبار خمس منها فقط "كنائس" اصيلة بالمعنى الدقيق للكلمة وهي الكنائس اللوثرية , المعمدانية , المنهجية , الكالفينية (بفروعها) , الإنجليكانية . ومن المعروف انها كانت في الأصل وليدة تامل "لوثر" المتوفى عام 1546 والذى كان ممثلا انموذجيا لذلك الفكر الألماني [ الذى لا يصل إلى الله إلا عن طريق تدمير العقيدة المتكونة وعبر كآبة العدم ] كما وصفه "توماس مان" , كما يعتبر بشكل عام أن الوجود لا يتأكد ويكتشف نفسه إلا بواسطة السلبية المسبقة واظهار الطاقات الكامنة . وفي الواقع فإن الكشف اللوثري يقوم على أن " الإنسان يبرر نفسه بواسطة الإيمان وحده , لا بواسطة الأفعال " وهذا بحسب القديس بولس , وهذا ما يعني أن الأبرار ذاتهم لا يستطيعون فعل الخير ... وأن اليأس واجب بالتالي ( ما دامت الخطيئة محتومة) فيما اذا لم تنفتح ابواب الخلاص للإنسان بواسطة هذا اليأس ذاته , والإستسلام الكامل للحب الإلهي , والإيمان المطلق للاعقلاني ... وتتضمن هذه النظرة بطبيعتها أن الله قد اختار اولئك الذين يريد انقاذهم ( لأن مثل هذا الإيمان ليس في متناول يد كل شخص ) وأن الشعور المؤلم بالخطيئة هو علامة هذا الإختيار الذى لا يمكن ادراكه . وهذا مصدر القول الشهير " اذنب بشدة وآمن بشدة اكبر " , وهو قول لا ينبغي فهمه على انه تشجيع على المعصية ولكنه تاكيد على أن الدين مشكلة فردية قبل كل شيء ومسألة حماس وحمية شخصيين . كانت الظروف السياسية السبب الأوحد الذى ارغم لوثر على انشاء منظمة كنسية متسلطة وهو العدو المنطقي للمؤسسات الدينية التي يعتبرها " قوانين وشباكا للأرواح " . أما عمل "كالفن" فيشكل عودة عقلانية إلى فكرة الكنيسة : ففي الحين الذى يشاطر فيه هذا المشرع الديني الفرنسي آراء لوثر المتشائمة بكاملها حول الوضع البشري يقول بتحويل اهتمام المؤمن عن هذا الوسواس عن طريق العهدة إليه – كائنا ما كان قلقه – بمهمة اكبار الله واعظامه التي وسيلتها خدمة الله على هذه الأرض . ومن الصحيح أن "الإله" الكالفيني ناء لا يمكن الإرتقاء إليه في ذروة " جلاله الرهيب " وهذا مصدر ادانة كل لاهوت عقلاني بيد أن في طاقة كل شخص يؤدي له العبادة عن طريق قيامه بإنجاز رسالته الخاصة به على خير ما يمكنه . ويختلف كالفن عن لوثر في تصوره للدولة , فهو لا يعتبرها قائمة من اجل تفادي بعثرة الطوائف الدينية ( على غرار لوثر) بل يعتبرها كمنظمة ( تحت قيادة الصفوة الروحية ) مهمتها أن تتيح لكل شخص أن يؤدي اجتماعيا ما قدر الله له أن يفعله وهذا مفهوم نستطيع أن نجد صداه في الليبرالية الفاعلية التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية ( القائمة على تركيب المنظمة الفكرية والمبادهة الفردية ) كما نجده في " اللا اخلاقية " الأدبية لدى " اندريه جيد " البروتستانتي السابق : [ أن يكون المرءذاته بشكل كامل , وأن يختار , يعنيان أن يجد المرء نفسه بنفسه , أي أن يكره بالتالي كل ما يحول دون " اللا ارتباط " ويمنع المرء من أن يجعل من نفسه " المخلوق الذى لا مثيل له بين المخلوقات ولا يمكن الإستعاضة عنه بغيره " ].