الحساء الكوني
لقد حاول العلماء مؤخرا محاكاة الإنفجار الكبير عن طريق الإرتطام الذري .وشوهدت هذه التجربة لأول مرة في تاريخ البشرية . وهذه التجربة المثيرة فتحت عصرا جديدا لدراسة المادة النووية حيث تمت في مرتطم(مصادم) نسبية الأيون الثقيلRelativistic Heavy Ion Collider (RHIC) .فانطلقت أول صور الجسيمات من نقطة الإرتطام القوي . فكان هذا بمثابة دليلا تحديديا كان يترقبه العلماء بلهفة بالغة حيث رأوا فيه ما لم يره إنسان من قبل . وأعادوا التجربة في المرتطم . وكانت تهدف لإرتطام نواتين من الذهب بسرعة تعادل 99,95% سرعة الضوء ليولد درجة حرارة تعادل تريليون درجة مئوية. وهي تفوق درجة حرارة قلب الشمس 10 آلاف مرة . وفي هذه الحالة سوف تنصهر البروتونات والنترونات لتتحول لحساء كواركات. وهي وجه تحويلي للمادة من حالة لأخري أشبه بإنصهار جليد الماء إلي سائل وتحول الماء من سائل إلي غاز عندما يغلي . ويعلق علماء الطبيعة النووية علي هذا بأن البروتونات والنترونات تتكون من كواركات quarks . وهذه الكواركات تتحد معا من خلال تبادلها للجونات gluons مكونة حساء يطلق عليه بلازما (كوارك – جلون) quark-gluon plasma . لهذا المرتطم أطلق عليه بعد هذه التجربة ماكينة الإنفجار الكبير Big Bang Machine . و في جزء من المليون من الثانية كان الكون عبارة عن هذا الحساء الساخن جدا والكثيف جدا. لكن هذا الحساء لايري حاليا بالكون المعاصر. رغم أن التجارب في مرتطم سيرن CERN بسويسرا الأقل قوة إرتطامية, قد بينت بطريقة غير مباشرة دليلا ما علي وجود هذا الحساء !. ويتكون المرتطم من حلقتين تصادميتين محيط كل منهما 2 ميل وبكل حلقة 4 مجسات لرؤية علامات بلازما كوارك – جلون . وقد تمت أول تجربة في طاقة تعادل 30 بليون إلكترون فولت لكل نيكلون nucleon . وهذه الطاقة 4 مرات ضعف الطاقة في مصادم سيرن السويسري . وفي الواقع سيصل معدل الطاقة 100 بليون الكترون فولت . وفي هذه الحالة ..الأيونات المتصادمة خلال جزء من الثانية ستصل حرارتها 100 ألف مرة أشد حرارة من قلب الشمس ويتوقع العلماء الذين قاموا بهذه التجارب أن هذا الحساء لو تعرض لإنفجارات دقيقة لمدة جزء من بليون من جزء من تريلون الثانية فإنه يندمج معا ليكون المادة العادية .وهذا الحدس العلمي لو تم سيفتح أفاقا جديدة في الطبيعة النووية ولاسيما بإلقاء الضوء علي كيفية تكوين مادة الكون التي شكلت هيئته من نجوم وكواكب ومجرات ومادة مظلمة وثقوب سوداء وسدم بينية وغيرها .