الشتاء والصيف النووي

من كتب

'ماذا لوقامت حرب نووية عالمية بين الدول الكبري التي تمتلك القدرات النووية ؟. ماهي صورة العالم في أعقابها ؟.وماهو المستقبل البيئي للكينونة ؟. هذا السيناريو وارد وقوعه ولن يكون فيه غالب أو مغلوب . لأن الكل في الخطر سواء . ولو إشتعلت هذه الحرب وما أيسر وقوعها . فهذا معناه أن كارثة ستحل بالأرض لايخمد أوارها النووي . فسيواجه العالم الهلاك البيئي الجماعي والعجز في تقديم الإغاثة العاجلة للإنسان والحيوان والنبات . كما أن الحرائق ستشتعل في الغابات والأحراش وآبار النفط والمدن لتصبح الكرة الأرضية جحيما لايطاق لما جناه الإنسان بغروره وحمقه . وسينتاب العالم شتاء نووي يقضي علي النسل والحرث . فالبيئة العالمية سينقلب حالها وسيتغير المناخ العالمي نتيجة دخان الحرائق الكثيف والغبار الدقيق الذي سيتصاعد بالجو نتيجة الإنفجارات والإرتطامات للقنابل النوو ية مما سيحجب أشعة الشمس وسيقل هطول الأمطار ليمر العالم بحالة من الجفاف المستحكمة وتزداد رقعة التصحر بشكل مخيف . ولأن الدخان يمتص أشعة الشمس والغبار يعكسها ويشتتها لدرجة لاتجعل النباتات الخضراء تمتصها للقيام بعملية التمثيل الضوئي فلا تنتج محاصيلها ليواجه الأحياء الجوع.

ففي خلال عدة ساعات من الحرب ستنخفض درجة حرارة الجو 7درجات مئوية قرب السواحل و25 درجة مئوية داخل اليابسة . وسبب قلة إنخفاض درجة حرارة المناطق الساحلية أن مياه المحيطات والبحار بها مخزون حراري سيمدها منه و سيلطف الجومما سيحد من تأثير إحتجاب أشعة الشمس عن الأرض . ويتوقع خبراء المناخ أن متسط درجة حرارة الأرض لن يزيد عن 13درجة مئوية . لكن لو إنخفض هذا المعدل 3-5 درجة مئوية . فإن الكرة الأرضية ستمر بعصر جليدي مؤقت . وهذا ما يعرف بالشتاء النووي في أعقاب التفجيرات النووية الهائلة والتي يتوقع أن درجة حرارة اليابسةالبعيدة عن مياه المحيطات والبحار ستصل إلي تحت الصفر المئوي .


وهذا العصر الجليدي المؤقت سوف يغير بلا شك التوازن البيئي والحيوي فوق الأرض وسيغير فرص الحياة فوقها بلاجدال . لأن السلاح النووي حلال حرب نووية شرسة سلاح ذو حدين حد تدميري وحد إهلاكي لايبقي ولا يذر . وهذا يتصوره قادة وزعماء العالم مما يجعلهم يحجمون عن خوض غمار هذه الحرب النووية . لأنهم وشعوبهم أو ل الضحايا للضربات النووية القاتلة .

وقبل تفكيك الإتحاد السوفيتي عام 1991وإبان الحرب الباردة كان العالم يتمتع بتوازن القوي بينه وبين الولايات المتحدة الأمريكية . وهما القطبان الأعظم . وكانت الدولتان في سباق نووي محموم . وهذا السباق جعل الخبراء يتصورون العالم لو قامت بينهما حرب نووية كاسحة لتطول فيهما رؤؤسهما النووية البلدين . ووضع الخبراء من البلدين سيناريو هذه الحرب وما سيسفر عنها من شتاء نووي يعم العالم كله شرقه وغربه . لأن خلال هذه الحرب وما سيعقبها سوف تتواري أشعة الشمس خلف حجب الدخان المتصاعد من الحرائق والغبار الكثيف الذي سبتطاير بالجو المحيط للأرض من شدة الإرتطامات للقنابل النووية وتفجيرها . فستظلم السماء ولن يكون نهار بل ليل دائم ودامسوسيتعرض الجنس البشري والحيوانات للهلاك لإنخفاض درجة الحرارة وللصقيع الذي سيجتاح العالم وللجوع الذي سيعم لأن النباتات لن تثمر محاصيل.

وهذا السيناريو المأساوي يذكرنا بعصر إلقضاء علي الديناصورات العملاقة منذ 65مليون سنة عندما إرتطم مذنب فضائي بالأرض فاختفي 50%من الأنواع التي كانت تعيش وقتها فوق الأرض. ولقد إكتشف العلماء هذه الكارثة عندما إكتشفوا هياكل عظمية ضخمة لديناصورات لاوجود لها حاليا . ولقد حاولوا التعرف علي حجم هذه الكارثة وتصورها. فلجأوا اتحليل الرواسب الجيرية(الطباشيرية) التي ترسبت في هذه الفترة فوجدوا بها عنصر الإيريديم المشع وهو عنصر شائع في تكوين المذنبات كما وجدوا بها الكربون نتيجة الحرائق الهائلة للغابات بمعدل لم يسبق له مثيل . وهذه الحرائق الغاباتية أعطت العلماء فكرة عما ستحدثه حرائق الإنفجارات النووية وتأثيرها علي المناخ العالمي . وهناك دراسات موسعة حول تأثير زيادة ظاهرة الدفيئة العالميةوقد تنبأوا فيها بزيادة متوسط حرارة الكرة الأرضية حوالي 6درجات مئوية خلال هذا القرن نتيجة زيادة النشاط البشري وزيادة معدلات غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث بالجو المحيط مما سيكون لها أثرها علي النظام البيئي العالمي .وهذا التاثير لايمكن تفاديه خلال الخمسين سنة القادمة وهذا مايدعو إلي التخطيط حثيثا لتحاشي هذه التداعيات البيئة الملحة . وفي دراسة نشرت عام 1880حيث بينت وجود طبقة واضحة من الطمي في فب حدود طبقة الرسوبيات الجيرية التي عنصر الإيريديوم والذي رقمه الإشعاعي يناظر الإيريديوم الموجود في المذنبات فقط وليس هذا النظير موجودا في الصخور الأرضية. مما يدل أن الأرض قد ضربت بمذنب قطره 10 كيلومترات منذ 65مليون سنة مما جعله يظلم السماء فوق الأرض بالأتربة المتصاعدة من مكان الإرتطام مما أسفر عن حجب الشمس وإنخفاض الحرارة فوق الأرض أدي إلي الإتقراض الكبير لأنواع كثيرة بما فيها الديناصورات التي عثر علي حفائرها في هذه الطبقة الجيولوجية التي ترجع إلي هذه الحقبة كما بينته العينات التي أخذت من مناطق متعددة من اليابسة. وهذا الإرتطام أدي إلي تغير المناخ والبرودة والحرارة والفيضانات وغيرها من تأثيرات ما بعد الصدمة .

وفي دراسة توقعية نشرتها منظمة الصحة العالمية خول ثمة حرب نووية لوقامت بين الدول الكبري . فإن بليون نسمة سوف يقتلون من الضرب المباشر وبليون آخرين سوف يقتلون بطريقة غير مباشرة . أي أن العالم سوف يفقد ثلث ميراثه من البشر في حرب نووية واحدة. لأن إحتراق المدن والغابات وآبار النفط سوف يولد سحبا دخانية كثيفة ليصيح العالم في ظلام دائم . فالإنفجار النووي في مكان ما يولد 3000 –4000 درجة مئوية تكفي لصهر أو إحراق أي شيء في المكان . وكل ميجاتن تنفجر فوق الأرض ستخلف غبارا مشعا يعادل وزنه 100 ألف طن . وهذا الغبار سيظل يصيب الكرة الأرضية باللعنة الإشعاعية لأبد الآبدين لتصيب الأحياء ويلوث التربة والمياه السطحية والجوفية مما يغير من الخريطة الجينية للأحياء من حيوانات ونباتات ويغير شكل الحياة فوقها .فالذين سينجون من هذه الضربات النووية لن يسلموا من التعرض لهذه المخاطر الإشعاعية والتي يصعب علينا توقيها . لأنهم سيعيشون فوق كوكب بارد وملوث بالإشعاعات النووية .

وكان الإتحاد السوفيتي وأمريكاإبان الحرب الباردة يمتلكان2000 صاروخ بها رؤؤس نووية ويمكنها الوصول لأي مكان فوق الأرض خلال 30 دقيقة . وكل رأس نووي له قدرة تدميرية تعادل 1000ألف قنبلة كالتي ألقيت علي كل من نجازاكي وهيروشيما . وأمريكا تمتلك لوحدها 90% من المخزون العالمي لهذه القنابل النووية . ولو كان الإتحاد السوفيتي قد شن حربا نووية بالصواريخ علي أمريكا . فلن تكون إستجابة البيت الأبيض للرد عليها سريعا. وقد أجرت كل من موسكو وواشنطن تحذيرات زائفة للتدريب . فاكتشفت أمريكا هذا التأخير للرد . وخلال العشرين سنة الماضية وقعت ثلاثة إنذارات كاذبة بينهما . إلا أنه كان هناك وقت للتأكد من صحة بلاغاتها . ففي عام 1979 شوهد علي جهاز الإنذار الأمريكي هجوما صاروخيا كاسحا بإتجاه الولايات المتحدة الأمريكية . لكن السلطات الأمريكية إكتشفت علي الفور أنه بلاغ كاذب . فماذا لو كانت أمريكا ردت عليه وقتها ؟. لكنا الآن في خبركان . وماذا لو أن مجنونا أو إرهابيا طال أزرار الإنفجار أو أن أحدا إستطاع إطلاق الصواريخ عن بعد وهذا إحتمال وارد . لأن هذه الصواريخ تتحكم فيها شبكات الكومبيوتر ويمكن لطفل موهوب الدخول عليها وهو قابع في حجرة نومه وإعطاء التعليمات لها أو إبطال مفعولها أو إدخال فيروس في شبكاتها فقد يتلفها أو يجعلها تنطلق عشوائيا أو تدمر ذاتها . كل شيء وارد . لهذا علي الدول الكبري أن تتخلص من هذا المارد القابع في منصات الصواريخ المصوبة ضد الغير . فقد يكون الفيروسات الإلكترونية سلاح الفقراء ضد الهيمنة الأمريكية أو الروسية أو أيا كان من دول الردع النووي . هذا إفتراض واقعي لايمكن أن نتجاهله أو نسقطه من توقعاتنا . وقد يتم دون سابق إنذار . فالذين هدموا مبني التجارة العالمي صرح أمريكا الإقتصادي في في دقائق معدودات أمام أعين العالم في 11سبتمبر حيث شلت أمريكا تماما وهي تحت الخطر والهلع ولم تشفع لها قوتها. أليس هؤلاء بقادرين علي الهيمنة علي هذه الصواريخ النووية ؟

ويعتبر الشتاء النووي حالة بيئية تسفر عن تفجير مئات القنابل النووية لأنه ظاهرة مؤسفة للبيئة حيث يتوقع بعض العلماء حدوثه نتيجة لمئات التفجيرات النووية في أي حرب نووية محتملة النشوب مما ستولد تأثيرا مدمرا للضوء والحرارة والإشعاعات والقصف نتيجة الإنفجارات النووية . ويتوقع العلماء عدم التنبؤ بالتأثير الغي مباشر له علي البيئة . لكن في عام 1970 بينت بعض الدراسات أن طبقة الأوزون بالأجواء العليا (الإستراتوفير) التي تحمي الأحياء من الأشعة فوق البنفسجية والتي تأتي الأرض من الشمس يمكن أن تترقرق نتيجة أكاسيد النيتروجين الهائلة والتي ستطلقها بالجو هذه التفجيرات النووية . كما أن الغبار المتصاعد من شدة التفجيرات للأجواء العليا سيحدث ما تفعله المذنبات أو الأجسام الفضائية عند إرتطامها بالأرض سوف يحجب لضوء الشمس عن الوصول لسطح الأرض مما يؤدي إلي تبريد مؤقت لسطحها علاوة علي الدخان الناجم عن الحرائق الهائلة والذي سيغطي المدن والغابات وآبار النفط . وهذا ما يتوقعه الخبراء الروس والأمريكان معا . كما أن الدخان سوف يتصاعد نتيحة الحرارة الزائدة التي تحدثها الإنفجارات ويظل عالقا لمدة أسابيع حتي يهبط من الجو علي الأرض ويلوثها . ومئات الملايين من من أطنان الدخان سوف تذروها الريا من الغرب للشرق لتصبح الجزيئات الدقيقة فوق نصف الكرة الشمالي في حالة الحب بين روسيا وأمريكا مكونة حزاما حول الأرض وهذا الحزام سيكون ستارة تحجب الشمس لمدة أسابيع . لتبرد الأرض لدرجة تعرض الأشجار بالغابات للتجمد كما تمنع التمثيل الضوئي للعتمة التي تسود هذه المناطق مما سيهلك المزروعات ويصيبها بالإشعاع .ليموت الآلاف من الجوع والمرض . حقيقة معظم الناس يمكنهم توقي البرد إلا أنهم سيستهلكون مخزون سنتين من الطعام للتدفئة والطاقة بأجسامهم . لكن فائض الإنتاج الزراعي في هذه الحالة لن يكفيهم . وهذه البرودة ستجعل البشر والحيوانات في نهم لإستهلاك الطاقة بكافة أنواعها المتاحة فوق الأرض سواء أكانت طاقة تقليدية كالنفط والفحم . لأن الطاقة الغير تقليدية أو المتجددة لن تكون متاحة من مصادرها سواء من طاقة الرياح أو الطاقة الشمسية أو قوة المياه . ولن يكون هناك طعاما في السوبرماركتات يكفي لإستهلاك البشر سوي لمدة شهر علي الأكثر ولن يكفي حتي الأحياء الذين عاشوا بعد هذه الحرب الشاملة . كما تقول لاتنبؤات منظمة الفاو .

فلو وقعت حرب نووية كاسحة وظلت من 3-12 شهر فإتها ستقلل كمية ضوء الشمس لحوالي 99% وستصل درجة حرارة الأرض إلي – 40 درجة مئوية في نصف الكرة الشمالي . لكن الحرارة الكامنة في مياه المحيطات ستقلل من هبوط معدل الحرارة العالمية بنسبة 30- 70% ولاسيما قرب السواحل . وفي نصف الكرة الجنوبي فإن البرودة ستكون كافية للتأثير علي الغابات الإستوائية المطيرة مما يؤثر علي الزراعة هناك .

ويتوقع الخبراء أن الأرض سيعقب برودتها وشتاءها النووي صيف نووي . وهذا ماجعل الدول الكبري تفكر في عواقب سيناريو الحرب النووية بإمعان ولاسيما عند نشوب ظاهرة الدفيئة (الصوبة الزجاجية ). لن الجو المجيط بالأرض سيصبح أشيه بصوبة النباتات . فسيمرر الضوء المرئي للأرض ولن يدع الأشعة الحمراء التي تقع علي سطحها ترتد أو تتسرب . لهذا سترتفع درجة حرارة الجو المحيط بشكل متنام لأن الجو ذاته سوف يحتفظ بها . وظاهرة الصوبة الزجاجية يمكن أن تولدها أبخرة الماء وغازات ثاني أكسيد الكربون وكلاهما شفاف بالنسبة للضوء المرئي ويمتص الأشعة دون الحمراء في طيفه . وبعضها يتسرب لأعلي بالأجواء العليا وجزء يؤتد ثانية لسطح الأرض ليدفئها . وبدون بخار الماء بالجو فإن درجة حرارة الجو تنخفض إلي – 13 درجة مئوية بينما متوسط درجة حرارته العادية 15درجة مئوية