تاريخ الأردن

الأردن بلد ضارب جذوره في التاريخ، مرت عليه مدنيات وحضارات وممالك وكيانات عدة ومختلفة و كانت ساحاته مسرحا للتفاعل الحضاري البشري الإيجابي المستمر بدءا من أقدم فجر التاريخ المكتوب وصولا إلى الدولة الحديثة التي تمثل نموذجا ورمزا للحضارة والحرية والاستقلال والإنسانية.


لم يكن الأردن وليد صدفة أو حدث عابر ، ذلك لأنه كان ومنذ أقدم العصور مأهولا بالسكان بشكل متواصل. وتعاقبت عليه حضارات متعددة، وقد استقرت فيه الهجرات السامية التي أسست تجمعات حضارية مزدهرة في شماله وجنوبه وشرقه وغربه, ساعده على ذلك مناخه المتنوع وموقعه الذي يربط قارات العالم القديم فكان قناة للتجارة والمرور البشري بين شتى بقاع العالم.


ونظرا لهذا التواصل الحضاري ، فقد شهد الأردن توطن حضارات وقيام ممالك كبرى صبغت بقوتها تاريخ تلك الحقب ، ومن أبرزها المملكة المؤابية في جنوب الأردن بقيادة الملك يوشع ، ومملكة الأنباط العربية التي بسطت حكما واسعا على المنطقة الممتدة من بصرى الشام إلى مدائن صالح ، وتشكيل شمال الأردن الركن الأساسي لتحالف المدن العشر اليونانية. وتظل المدن الأردنية بما تحمله من آثار ومواقع خير دليل على قدمها وضربها في أعماق التاريخ وأنها كانت موئلا لآباء البشرية . وبعد ذلك خضع الأردن للحكم الروماني الذي أغنى بحضارته المنطقة فكان الأردن جزءا لا يتجزأ من تلك الإمبراطورية القوية.


وفي فترة انتشار الحكم الإسلامي كان للأردن أهمية خاصة فهو بوابة الفتح للشام. وقد شهدت أرضه معارك مؤتة واليرموك . وروى الشهداء المسلمون الأوائل بدمائهم أرضه ، ولعب دورا هاما وأدى مساهمة حضارية كبيرة إبان ذلك العهد . وقد شهدت ساحاته العديد من الحوادث المفصلية والهامة ، فكان التحكيم بين أنصار علي بن أبى طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان قد جرى في مدينة اذرح في معان . أما الحميمة فمنها كانت انطلاقة الدعوة العباسية و استلام العباسيين الحكم بعد ذلك . وفي فترة الحكم الأموي والعباسي وما تلاهما كان للحكم الإسلامي موطئ قدم في الأردن . وأيام الحروب الصليبية ساهم الأردن بفعالية في نصرة المسلمين حيث كان يمثل منطقة وصل والتقاء بين مصر والشام . ويكفيه فخرا وجود أضرحة كوكبة من قادة المسلمين المشهورين وعلى رأسهم أمين الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وضرار بن الازور في غور الأردن ، وجعفر بن أبي طالب وصحبه في ثرى مؤتة ، ناهيك عن قبور صحابة وقادة آخرين.


وحينما حكم العثمانيون المنطقة ، تنبهوا لأهمية الأردن ، فكان ممرا للقوافل ومنطقة ضرورية لتدعيم الحكم العثماني في الأجزاء الجنوبية من إمبراطوريتهم.


لقد ظل الدور الحضاري والوجود الأردني على الساحة مستمرا ومتواصلا عبر التاريخ وخير دليل على ذلك الآثار والقصور والقلاع والأوابد التي تشهد بغنى الأردن الثقافي ودوره لهام عبر العصور.


وفي بداية القرن العشرين ولما تنامى الشعور القومي العربي وتفجرت اليقظة العربية , كان الأردنيون روادا في ذلك شعبا وحكومات ورجالات . فقد شهدت ارض الأردن ثورات للتحرر أبرزها ثورة الكرك وثورة بني حميدة وثورة الطفيلة .وحينما انحرف الحكم العثماني عن الجادة الصحيحة، وظهرت الطورانية الداعية إلى عدم الاعتراف بالقومية العربية , تداعى أحرار العرب وسلموا القيادة إلى ملك العرب الشريف الحسين بن علي الذي فجر ثورة العرب الكبرى ضد الطغيان ,لإعادة الوجه الصحيح للإسلام وكان ذلك عام 1916 ، وانضم أهل الأردن بكل ما يملكون لهذه الثورة ابتداء من جنوبه في العقبة مرورا بمعان وصولا إلى شماله. وقد سطر الأردنيون تحت القيادة الهاشمية أروع المعاني في التحرر وبذل الغالي والنفيس، فاستطاعوا تحرير أرضهم وارض الشام .


وفي 11 نيسان 1921 تأسست أول حكومة أردنية برئاسة رشيد طليع وسميت مجلس النظار ، وقد كانت في حقيقة الأمر حكومة عربية أكثر منها أردنية لإيمان الأمير عبدالله العميق بالقومية العربية سبيلا للتحرر والاستقلال.


ولأن التحرر لا يكون إلا بالاستقلال الكامل ،فقد ناضل الأردن لنيلة و تحقق ذلك في 25 - 5- 1946، وأعلنت إمارة شرق الأردن مملكة وسميت المملكة الأردنية الهاشمية ونصب الأمير عبدالله ملكا عليها ،وصدر الدستور الأردني الذي جاءت مواده متقدمة في مجال الحقوق المختلفة كما نص على إقامة برلمان يتكون من مجلسين وجرت بعده انتخابات برلمانية.


واثر صدور قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وأخرى عربية , وبعد انسحاب القوات البريطانية من فلسطين وإعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 ،دخل الأردن رغم إمكانياته المتواضعة الحرب إلى جانب الدول العربية ، واستطاع أن يحافظ على القدس وعلى جزء كبير من أراضى الضفة الغربية من الضياع ، وسطر جنود الجيش العربي أروع الملاحم للحفاظ على القدس , وسطر الأردن أنبل ما تكون نصرة الشقيق لشقيقة عبر استقباله لآلاف اللاجئين الفلسطينيين.


وحتى لا تبقى الضفة الغربية في فراغ سياسي يستغله الإسرائيليون ،وبناءا على رغبة جامحة من الشعب الفلسطيني ،أعلنت الوحدة الأردنية الفلسطينية بعد مؤتمر أريحا الذي جمع الزعماء الفلسطينيين والملك عبدالله وكان ذلك عام 1950 . وفي العام التالي امتدت يد الغدر وفي مؤامرة دنيئة إلى صانع انجح وحدة عربية الملك عبدالله الأول أثناء دخوله بوابة المسجد الأقصى لصلاة يوم الجمعة.


وفي عام 1951 خلف الأمير طلال والده في الحكم وأنجز مشروع الدستور المعدل ليصدر عام 1952 دستور الوحدة وهو الدستور الذي ينبع من القيم الإسلامية والمبادئ الديمقراطية المعمول بها في دول العالم المتحضرة ، وبناءا عليه توالى إجراء عقد الانتخابات في الضفتين وترسخت مبادئ الديمقراطية والوحدة.

ولان المرض لم يسعف الملك طلال ولم يمكنه من الاستمرار في الحكم نودي بجلالة الملك الحسين ملكا على الأردن ، وحينما أتم الثامنة عشر من عمره تولى سلطاته الدستورية في 11- آب - 1953 ليقود المسيرة الأردنية وليبني صرحا حضاريا قوامه الوحدة الوطنية ودولة القانون والمؤسسات المدنية الحديثة ويرسخ الانتماء للأمة العربية.


وفي هذه الفترة كانت تعصف بالمنطقة العربية أحداث جسام استطاع الأردن التكيف معها وتجاوزها بسلام . ففي عام 1956 وقف الأردن إلى جانب أشقائه في مصر لصد العدوان الثلاثي و أبدى استعداده للدفاع الميداني وبكافة السبل عن الشقيقة مصر . وفي نفس العام أصدر جلالة الملك الحسين قراره الشجاع بتعريب الجيش الأردني حيث تم الاستغناء عن خدمات قائد الجيش كلوب وتسليم القيادة إلى ضباط أردنيين ، وكان لهذا القرار صدى إيجابي في العالم العربي وأثر في مسيرتهم نحو التحرر والاستقلال.


وفي فترة الستينات ظل الأردن يمارس دوره الطبيعي في الدفاع عن الأشقاء الفلسطينيين , حتى جاء عام 1967 وحرب الأيام الستة التي احتلت خلالها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان السوري . ورغم تحذيرات الأردن للأشقاء العرب بعدم دخول الحرب نظرا لعدم الاستعداد الكافي لها ، إلا أنهم دخلوها وخسروا ما خسروه ، واحتضن الأردن مئات الآلاف من النازحين واواهم وعاملهم كمواطنين لهم حقوقهم وعليهم واجباتهم.


ومنذ عام 1967 استمر الأردن بالكفاح المسلح ضد إسرائيل وهو الذي يقع على أطول خط مواجهة معها ، وفي 21 آذار عام 1968 وحينما عبرت القوات الإسرائيلية الحدود الأردنية لاحتلال المرتفعات الشرقية فيه تصدت لها القوات الأردنية ببسالة وردتها خائبة، وكانت معركة الكرامة.


ولان الأردن لا يضيع أية فرصة لنصرة أشقائه العرب فقد دخل حرب 1973 ، وتوجهت قواته إلى الأراضي السورية وكان لها دور مميز في حماية قطاعات الجيش السوري وتقديم الإسناد اللازم لها.


وفي مؤتمر قمة الرباط عام 1974 وافق الأردن على أن تصبح منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.


وفي عقد الثمانينات احتضن الأردن قمتين عربيتين هامتين الأولى عام 1980 ومنها انطلق العمل العربي الاقتصادي المشترك , والثانية عام 1987 وهي التي عملت على إعادة رص الصفوف العربية.


وعام 1988 وحتى يتمكن الأشقاء الفلسطينيون من التحرك بسهوله وحفاظا على قرارهم المستقل أعلن جلالة الملك الحسين قرار فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة الغربية دون أن يمس ذلك الدور الأردني في الدفاع عنها ورعاية شؤونها وتلبية متطلبات أهلها .


وفي نهاية عقد الثمانينات واجه الأردن مشكلة اقتصادية صعبة استطاع من خلال الخطط الناجحة والبرامج الاقتصادية المتتالية أن يتجاوزها نحو اقتصاد حر رحب قادر على استقطاب الاستثمارات والأموال الخارجية ، وهو الاقتصاد الذي يسعى إلى التكامل مع اقتصاديات الأشقاء العرب والانفتاح على الاقتصاد العالمي .


وفي عام 1989 استؤنفت الحياة البرلمانية الأردنية حيث انتخب الأردنيون برلمانهم الذي أعاد إلى الحياة السياسية نشاطها من جديد. واقر هذا البرلمان العديد من القوانين التي تعزز النهج الديمقراطي. ولم تنقطع الحياة البرلمانية منذ ذلك الوقت حيث توالى إجراء الانتخابات النيابية بمشاركة كافة الأطياف والتيارات السياسية وفي جو ديمقراطي حقيقي يسمح بالتعددية السياسية وحرية التعبير والمشاركة السياسية ومخاطبة السلطات .


وانطلاقا من ثوابته ومبادئه فقد أعلن الأردن حين دخلت القوات العراقية إلى الكويت في 2/8/1990 رفضه لهذا الإجراء و دعا إلى انسحاب القوات العراقية وإيجاد حل سلمي عربي للازمة . وكان أن تأذى كثيرا من هذه الحرب فوفد إليه مئات الآلاف من الأردنيين والفلسطينيين المقيمين في الخليج الذين ساهموا في اعمار تلك البلاد تطبيقا للنهج الأردني الثابت في دعم الأشقاء وحمايتهم على الدوام ، وعاش الأردن مرحلة صعبة تخللها في بعض الأحايين سوء الفهم من قبل بعض الأشقاء العرب , لكنه أبى إلا أن يتجاوز الخلافات، وتحقق له ذلك بفعل التحركات المكثفة لقيادته الحكيمة.

ولإيمانه بان السلام الشامل والعادل هو طريق إعادة الحقوق العربية ، وبعد موافقة الدول العربية شارك الأردن بمؤتمر مدريد عام 1991، بعد أن وفر المظلة للوفد الفلسطيني. وبعد أن سار الأشقاء الفلسطينيون في دربهم الذي اختطوه وبعد أن وقعوا اتفاقية اوسلو مع الجانب الإسرائيلي عقد الأردن معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1994 وهي المعاهدة التي أعادت الحقوق الأردنية في الأرض والماء ووأدت أفكار الوطن البديل ورسمت الحدود النهائية الواضحة للدولة الأردنية مع إسرائيل.


وقد وظف الأردن تلك المعاهدة لخدمة الأشقاء الفلسطينيين والعرب في المطالبة بحقوقهم ووظفها في سبيل تحقيق السلام العادل ، ووفرت له منطلقا للدفاع عن القضايا العربية التي لم يأل جهدا للدفاع عنها ،ويشهد على ذلك حرصه المستمر على رفع الحصار عن الشعب العراقي والتأكيد على وحدة وسلامة أراضيه ورفض أي عدوان عليه .


وكان عام 1999 عام الحزن وعام الأمل عند الأردنيين ، ففي السابع من شباط من ذلك العام فقد الأردنيون باني دولتهم الحديثة أعظم الرجال وأشجع الفرسان جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال . وانتقلت الراية الهاشمية المعطاءة إلى جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ليواصل المسيرة الأردنية في تحقيق منعة الدولة واستقرارها و أمنها ونموها وتطورها ، وتحقيق التضامن العربي وإعادة الحقوق إلى أصحابها ورفض المساس بأي شقيق عربي ، وتجسد ذلك باحتضان الأردن لأول قمة عربية دورية عام2001.



فيما يلي نقل عن صحيفة عمون الالكترونيه لما كتبه د.محمد المناصير في تاريخ الاردن


 د. محمد المناصير
  

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

التعريف باسم الاردن[عدل | عدل المصدر]

- مرت على الأردن أمم وأقوام ذهبت ، وحضارات بادت ، وتاريخ عريق ترك بصماته على تراث الأردن ، ليبقى شاهدا على عراقته وعظمته ، وأهميته التاريخية والحضارية ، لا سيما وان الأردن هو الموطن الأول لأول إنسان عاش في الشرق ، وبقي الأردن بموقعه المتميز على الدوام حجر الرحى في كافة مراحل التاريخ ، من أقدم العصور إلى اليوم . 

- إلا أن الأقلام سكتت عن تاريخ هذه البقعة عندما انتقلت الخلافة العثمانية إلى بلاد الأناضول ، وأهملت البلاد وتعرض تاريخها للنسيان ، وعمها الجهل وضاعت كتبها ووثائقها ، فإلى جولة في تاريخ هذا الوطن .

- وأن أول ما يتبادر للذهن عن الحديث عن تاريخ الأردن ، هو اسم الأردن ذاته ، من أين جاءت التسمية ؟، أصلها ومدلولاتها ، وهل لاسم الأردن علاقة بمكنونات الموقع ؟ .

- اجمع اللغويون والمؤرخون والجغرافيون ، على أن اسم الأردن جاء بالضم ثم السكون ، وضم الدال وتشديد النون ، وقد أكد الباحثون صلة الأردن بالنهر المقدس ، نهر الأردن أو الشريعة ، أما النهر فهو ينبع من جبل الشيخ جنوبي لبنان ويصب في بحيرة طبرية عاصمة جند الأردن ، ثم تنضم إليه بعد مغادرته البحيرة عدة روافد منها نهر اليرموك ونهر جالود وكثير من الأودية ، وقد جاءت تسمية النهر من التقاء نهرا جور ودان ، أو يور ودان ، فيصبح الاسم جوردان و يوردان في بعض اللغات ، وهي تسمية صحيحة لغويا ومكانيا ، وأصبحت مع الزمن أوردان وأردن ، وأطلق العرب عليه اسم الأردن .

- أما الاسم الإغريقي للأردن فهو jordanem يوردانيم و Jordan ومعناها المنحدر أو السحيق . وقد عرفت المنطقة المجاورة لنهر الأردن من منبعه إلى مصبه على الجانبين باسم الأردن ، وعرف الغور باسم وادي الأردن ،

- وينتهي مصب نهر الأردن في البحر الميت ، وعرف بالأردن الأكبر من منبعه حتى بحيرة طبرية ، بالأردن الأصغر من طبرية حتى البحر الميت ، وعرف أيضا باسم نهر الشريعة وهو الاسم الشائع حتى اليوم لدى السكان المحليين .

- وأطلق اليونان والرومان على بلاد الأردن لفظ ثيم الأردن وهو مسمى عسكري حيث كان الأردن مقرا لمقاطعة عسكرية ، كما أطلق الفاتحون العرب على مناطق الشام اسم الأجناد ، وكان من بينها جند الأردن الذي كان يضم جزءا من جنوبي لبنان بما فيه مدينة صور ويضم أيضا شمالي فلسطين ومن مدنه عاصمة جند الأردن طبرية ومدن الناصرة وعكا وحيفا وجميع الكرمل إلى حدود جند فلسطين على حافة سهل بني عامر ومناطق غور الأردن كاملة إلى الجبال ، كما كان جند الأردن يضم أجزاء من سورية أهمها بصرى الشام ودرعا والجولان ، أما شرقي الأردن فكانت المناطق الشمالية وسواد الأردن يتبع جند الأردن فيما كانت البلقاء من نهر الزرقاء إلى العلا شمالي الحجاز تتبع جند دمشق .

- أما مسمى شرقي الأردن ؛ فقد عرف لأول مرة في العهد الصليبي ، وان أول تسمية بهذا المعنى نقلها وليم الصوري ، مؤرخ مملكة بيت المقدس اللاتينية ، فقد اطلق عليها ultra jordanem وذكر أنها تشمل بلاد ؛ جلعاد ، وعمون ، ومؤاب ، ويطلق عليها أحيانا اسم trans Jordan وهي تعني بلاد ما وراء النهر ، أو عبر الأردن و شرقي الأردن ، وعندما أسس الملك عبد الله بن الحسين الإمارة الأردنية أطلق على البلاد اسم إمارة الشرق العربي ثم استقلت الإمارة تحت اسم إمارة شرقي الأردن ثم أصبحت مملكة باسم المملكة الأردنية الهاشمية .


إن من ابرز سمات الأردن السمات الجغرافية وخاصة الموقع ، الذي اثر وتأثر بالمجالين البشري والطبيعي ، فقد أصبح الأردن محورا للحركة التي نبضت بها المنطقة كلها ، سواء في عهود السلم أو في عهود الحرب . - وقد لا يعلم الكثيرون عراقة حضارة الجنس البشري في بلادنا لغياب التاريخ عن بلادنا في عهود الدول المتأخرة ... وتخلفه عن ركب الحضارة ، خاصة في فترة السيطرة العثمانية التي دامت قرونا عديدة . - ويمكننا القول إن الحضارة البشرية في بلادنا الأردن سابقة في بعدها الزمني بمئات الآلاف من السنين على الحضارتين العريقتين لكل من سهول الرافدين في العراق وسهول وادي النيل في مصر والسودان ، فان كانت تلك السهول مهادا لأعرق وأقدم حضارات العصور التاريخية ، فان الأردن هو المهد الذي احتضن طفولة الجنس البشري ، عندما بدأت سلالته تدب على أولى مدارج النشأة والتطور في عصور ما قبل التاريخ الموغلة في القدم .

- لقد عثر في منطقة وادي الأردن على جمجمة بشرية متحجرة تعود للإنسان الأحفوري الأول المعروف لدى علماء الأنثروبولجيا باسم هوموهايبسHomo Haibs وجدت في منطقة العبيدية في بلاد الأردن ، وقد عثر إلى جانب الجمجمة على عظام متحجرة لأربعين نوعا من الحيوانات المنقرضة من المنطقة ، كالزراف والأفيال وحمار الوحش ... وغيرها . - وقد أرخ الجيولوجيون لرواسب العبيدية في وادي الأردن التي اشتملت على بقايا تعود إلى نحو مليون وأربعمائة ألف سنة حيث تعود إلى بداية عصر البلايوسين ، أي أخر مراحل الزمن الجيولوجي الثالث ، فهو بذلك سابق في وجوده في وادي الأردن عن كل من إنسان جاوة وإنسان الصين ، وتشكل حضارته أقدم مراحل العصر الحجري القديم الأسفل . كما اثبتت حفريات عين غزال في عمان عراقة الوجود البشري في شرقي الاردن - وكان للأردن مكانة خاصة في كافة الأدوار التاريخية ، لموقعه الهام على سيف الصحراء ... وفوق المرتفعات وعلى مساحة السواد ، وعند أقدام البحر المتوسط ، وعلى تخوم المدن وميادين الحضارة . - وقد سكن الأردن العديد من الأقوام الذين تتابعوا على أرضه اهمهم : الأموريون والآراميون والمؤابيون والأدوميون والكنعانيون والانباط وعهود الاسلام المشرقة ، كما توالى على حكم البلاد لفترات قصيرة كل من الفراعنة والبابليين والآشوريين والكلدانيين والفرس والرومان واليونان والبيزنطيين ، قبل أن يدخل الأردن في عهود الإسلام الزاهية ... فهو أول بلد دخله الإسلام بعد الجزيرة العربية . - وقد اشتهرت بلاد الأردن بالخصب ، فوصفت سهول الأردن والبلقاء بسواد الأردن ، وخاصة سهول شمالي الاردن الحالي ، ولخصب البلاد وتنوع محصولاتها وصفت بالجنة ، وقيل نعسة الأردن ، لمن ينشد الراحة والهدوء وجمال الطبيعة ، وقد قالت قريش : إن محمدا وعدنا بجنان كجنان الأردن ، وقد كان لبعضهم ضياع في البلقاء والأردن ومنهم أبو سفيان الذي كان له ضيعة في منطقة السلط تدعى بقنس . - نلتقي في الحلقة القادمة مع صفحة جديدة من تاريخ وطننا الأردني ، الذي سجل التاريخ صفحات مشرقة على أديمه .


التجمعات البشريه في الاردن عبر التاريخ[عدل | عدل المصدر]

   شهدت مواقع عديدة في شرقي الأردن ، مواضع للتجمهر البشري موغلة في القدم ، في مناطق من شرقي الأردن في : الحسا والأزرق وطبقة فحل والمشارع والخربة السمراء ووادي اليرموك والجفر ووادي موسى ووادي عربة وراس النقب ، تعود إلى عصور موغلة جدا في القدم .

وينفرد تاريخ الأردن خاصة في منطقة الغور، بسبق حضاري يعود وجوده إلى فترة ما قبل التاريخ ، فعندما بدأت مرحلة العصر الحجري ، كانت بحيرة اللسان آخر المسطحات المائية في (قاع ) المنخفض الأردني آخذة بالانحسار ، إلى أن أسفرت عن ظهور نهر الأردن ، حيث شهد سكان أريحا وبلدات وادي الأردن بضفتيه ميلاد هذا النهر المقدس . وتشكل أريحا التي كانت في الجانب الغربي من النهر ، أقدم مستوطنة بشرية مسورة في تاريخ السجل الإنساني ، إذ أرخت مواد بناء أسوارها بأكثر من ( 8800 ) سنة ، إذ تعود فترة بدايات بناء البلدة إلى أكثر من عشرة آلاف سنة ، ويبدو أن سكان هذه البلدة اعتاشوا على الزراعة ، وتجمعت لديهم ثروة من تجارة الملح والإسفلت والكبريت المستخرج من مياه البحر الميت . وقد ظهرت على هضاب شرقي الأردن ، أولى مستوطنات العصر الحجري الحديث ، وهي تلك التي اكتشفت عند منطقة ينابيع عين غزال في عمان ، حيث وجدت الحفريات الأثرية آثار قرية تنتشر مبانيها على مساحة اثني عشر هكتارا ، مما جعلها اكبر قرى ذلك العصر في منطقة الشرق قاطبة ، وقد قدر عمر قرية عين غزال شمالي شرقي عمان بواسطة التأريخ الكربوني بنحو ( 7250 ) سنة. وتعود الأدوات الصوانية التي وجدت في منطقة عين غزال في عمان ، إلى عهود ما قبل صناعة الفخار . فقد استنبط الإنسان الأردني القديم في عين غزال ؛ سلالات زراعية من الأصول البرية لعدد من المحاصيل ، وأهمها : الفول والعدس والحمص ، فضلا عن حبوب القمح ، إلى جانب ثمار التين واللوز والفستق. وقد أسفرت التنقيبات الأثرية على ارض الأردن ، عن ارث من الازدهار العمراني وثراء في الإنتاج الفني التشكيلي ، فقد استفاق الفكر الإنساني في عين غزال في عمان ، بوصفه موطنا حضاريا مهما من عصور ما قبل التاريخ . فقد ظهرت القيم الحضارية والمعطيات المادية والاقتصادية والاجتماعية والدينية . وتعتبر قرية عين غزال اكبر قرية زراعية في الشرق ، إذ تساوي مساحتها ثلاثة أضعاف موقع أريحا ، واكبر أيضا من مساحة موقع البيضاء ، ووادي شعيب في الأردن ، وأبو هريرة في سوريا ، وجبال هيوك في الأناضول . وقد زامن موقع عين غزال عدة مواقع في شرقي الأردن ، في تلك الفترة من العصر الحجري ، كموقع البيضاء وهي قرية زراعية أيضا قرب البتراء ، والتي بقيت مأهولة خلال الفترة من 7500 – 5500 ق . م . أما موقع وادي شعيب ، فهو قرية زراعية أيضا من العصر الحجري ، بمساحة مساوية لقرية عين غزال ، وكذلك الحال بالنسبة لموقع البسطة في الشراة قرب معان التي يعود تاريخها إلى القرن السابع قبل الميلاد . ويماثل هذه المواقع موقع عين الجمام في منطقة أدوم في شرقي الأردن وهي قرية زراعية أيضا تعود إلى العصر الحجري . وقد عثر على بقايا تاريخية في شرقي الأردن ، تعود إلى العصر الحجري النحاسي في ؛ تليلات الغسول ، وخربة المخيط ، وصياغة ، وخربة التنور ، وتل خليفة ، وخربة بالوعة ، وعمان ، وسحاب ، والمقابلين ، ومادبا ، وذيبان وغور الأردن والسلط ، ووادي اليرموك ، ووادي الأردن ، والأزرق ، ووادي رم ، وباب الذراع ، وجبل القلعة ، ودير علا ، وبصيرة ، وجسر بنات يعقوب ، وموقع غروبة بين الشونة والكرامة، وتل الشونة الشمالية ، وتل أبو هابيل ، ووادي أبو النمل ، ومادبا ، ومطار عمان ، وناعور ، ووادي الموجب ، وعراير ... وغيرها .


المدن الاردنيه في التاريخ[عدل | عدل المصدر]

كانت المدن في شرقي الأردن ابان العصر البرونزي الوسيط ، مسورة وحصينة ، أقيم معظمها على قمم التلال والجبال مثل : جبل القلعة في عمان ، وصافوط قرب صويلح ، وفي غور الأردن ، وتل السعيدية ، وطبقة فحل ، واربد . ودير علا ، ومطار عمان ، والبقعة . وقد ظهر من نتائج الحفريات في هذه المناطق من الأردن ، وجود تبادل تجاري مع البلدان الغربية لمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ، فقد وجدت أدوات تعود إلى بلاد اليونان وقبرص . أما أول كتابة في العصر البرونزي المبكر ، وفي المرحلة الثانية من العصر في الأردن فقد عثر عليها في دير علا ، حيث عثر على نصب وجدت عليها كتابة تعود إلى تلك الفترة . ومن المعروف أن العربية المكتوبة وجدت في القرن السابع قبل الميلاد في موقع أم الرجوم شمالي عمان ، إضافة لما هو موجود من اللغة الثمودية والصفوية ، كما أن الأنباط استخدموا اللغة الآرامية ، غير أنهم تكلموا اللغة العربية وكتبوا بها . وقد ظهرت عناصر حضارة العصر البرونزي في الأردن ممزوجة مع بعضها البعض ، خاصة في الصحراء الأردنية وفي مناطق ؛ جاوة ، وفي أم حماد الشرقي ، وفي الشونة الشمالية ، ويبدو أن هذه الفترة هي المرحلة التي سبقت عصر المدينة أو دويلات المدن ، التي ظهرت في المرحلة الثانية من العصر ، ويبدو ذلك جليا أيضا في مناطق : المغير شرقي اربد ، وتل نمرين في الشونة الجنوبية ، وتل العميري على طريق المطار ، وذيبان ، وابو الثواب على طريق جرش ، وجبل المطوق جنوب شرقي جرش . -وقد شهدت هذه الفترة من العصر البرونزي نظام " المدينة الدولة " أو كما يطلق عليها أحيانا دويلات المدن ، ابتداء من 3100 ق م . ويعني نشوء تلك المدن نوعا من النظام المركزي الذي ظهر فيها ، فقد كانت كل مدينة من هذه المدن مستقلة بذاتها ، ويعتقد بأن نظاما معينا كان قائما بين هذه المدن . وفي هذه الفترة وصلت بلادنا الأردن إلى قمة ازدهارها إضافة إلى أن مدنا جديدة قد ظهرت ، خاصة في الحسا ، والكرك ، وعي ، والأغوار . وقد أدى قيام المدن لترك الأراضي الزراعية تحت رحمة الغزوات القبلية واشتغال أهل المدن بالتجارة . ومن مميزات العصر البرونزي الثالث في الأردن ؛ ظهور الفخار المعدني الذي يتصف بالقساوة والرقة ودقة الصنعة والتناسق ، كما ظهر فخار ابدوس المزخرف ، الذي كان على شكل أباريق أخذت شكل حبة الكمثرى في معظم الأحيان ، كما ظهر الفخار الملون والمزخرف بأشكال هندسية مختلفة . كما شهدت الفترة الثالثة من العصر البرونزي الثاني انتشار المعابد في مختلف مناطق الأردن ، وخير مثال على ذلك موقع الزيرقون في شمالي اربد ، ومعبد باب الدراع في وادي عربة . وقد كانت عمان من اكبر المدن وأكثرها ازدهارا ابان العصر البرونزي الثاني والثالث ، فقد أظهرت الحفريات الأثرية بنايات وأسوار ضخمة ، في مناطق جبل القلعة والمنحدرات . كما أسفرت الحفريات عن مبان في : تل نميرة ، وخربة اسكندر ، واللاهون على حافة الموجب ، والقصير ، وتل الحيات ، وتل أبو النعاج ... وغيرها . وهكذا يمكن القول إن الأردن شهد فترة العصر البرونزي بعهوده الثلاثة ، وقد وجدت مخلفات كتابية تعود لتلك الفترة ، في كل من الأردن وفلسطين دون الأقطار الأخرى . كما أسفرت الحفريات عن وجود صلات تجارية وحضارية مع مصر ، إذ عثر على كتابات مصرية على فخار أردني ، وصحون وأطباق تعود للعصر البرونزي ، وقد وردت إشارات في بعض الكتب إلى وجود غزو متبادل بين بلادنا ومصر في ذلك العصر ، خاصة في عهد الفرعون بيبي الأول 2325- 2275 ق م . ومن المواقع الأردنية التي ازدهرت في العصر البرونزي : موقع ادر في الكرك ، وعين البيضاء في الطفيلة ، وتل الأربعين في الاغوار، وتل الحمة ، وجلول قرب مادبا ، وخربة المدورة ، والمريغة قرب معان ، وسلبود قرب سحاب ، وتلول الذهب ، وابوعبيدة ، وأبو الزيغان ، ودامية في الأغوار ، وكفر راكب ، والمشيرفة ، وعجلون ، والصبيحي ، وأم بطمة وغيرها من المواقع التي لا مجال لذكرها جميعها .

سكنت شرقي الأردن قبائل العمالقة ( الرفائيون) ، الذين حمل لنا التاريخ أخبار احد ملوكهم وهو عوج بن عنق ملك باشان ، كما سكن شرقي الأردن أقوام عرفوا بالأميين والعناقيين والزمزميين .وكان قد استمر سيل الهجرة دفاقا من اليمن والجزيرة العربية شمالا ، مما جعل كل من حكم بلاد الهلال الخصيب يعمل على مواجهة هذا السيل الجارف ، فقد عمل الرومان على درء هذا الخطر ، بتعبيد الطرق وبناء القلاع والحصون على مدى ستمائة سنة ، قبل أن يأتي سيل الإسلام الجارف ويعم العدل البلاد . وقد أسست القبائل السامية التي نزحت إلى الهلال الخصيب دولا لعبت دورا عظيما في التاريخ ، فقد توطنت القبائل الفينيقية في سواحل سوريا ، وأصبحوا امة بحرية ، شقت سفنها عباب البحار حتى الجزائر البريطانية . كما جاء إلى الشام وشرقي الأردن من الساميين العبرانيون والأنباط الذين أسسوا دولتهم في شرقي الأردن ، وبسطوا سلطانهم على البلاد المجاورة . ويدل ذلك على غنى البلاد الأردنية ، وقد تغنى السائح بورخارد او بورخارت بثروة هذه البلاد الزراعية إذ يقول على لسان احد الأعراب :" انك لا تجد بلدا كالبلقاء بخرافها ومعزها " وكانت جلعاد فوق ذلك شهيرة بالريحان والمر المكاوي ، وكانا قديما يحملان إلى مصر على قوافل الإسماعيليين حيث يستعملان عقاقير للتحنيط ، وقديما كانت شرقي الأردن طريقا للتجارة ، فقد كانت البضائع ترد إليها من جنوب البلاد العربية وشرقيها ، ثم تحمل على ابل سكان شرقي الأردن إلى مصر ومنها تشحن إلى روما . كما شهدت شرقي الأردن حكم السلالات السبع المصرية الأولى ، التي ابتدأت بالفرعون مينا حوالى سنة 3400 ق م ، وانتهت بتسنم أول ملوك السلالة الثامنة عشرة عرش المملكة المصرية سنة 1580 ق م تقريبا . وكان الفراعنة قد خرجوا من بلادهم إلى شرقي الأردن ، طلبا للتجارة والحصول على النحاس من مناجم الطفيلة ، فقد وجدت بعض آثارهم في شرقي الأردن في ؛ سحاب والكرك والعقبة والطفيلة والشوبك وبصيرة ووادي عربة ، فمنذ سنة 2000 ق م ، كانت هناك طريق منتظمة بين مصر وجنوب شرقي الأردن عن طريق السويس . وقد ورد في السجلات الملكية التي كتبت في عهد اخناتون خلال الفترة من 1375- 1358 ق م ، والتي اكتشفت في تل العمارنة ، اسماء بعض مناطق الاردن ، منها ؛ منطقة يابش أي وادي اليابس وعجلون ومنطقة دامية ومنطقة الزرقاء ، وفي حوالي 1220 ق م ؛ كتب احد المصريين : أن جماعة من بدو الأدوميين مروا من وادي طميلات لرعي ماشيتهم بالقرب من برك بيثون في مصر، وقد اكتشفت في سنة 1930 أنقاض قرية قديمة شمالي البحر الميت في " تليلات الغسول " من بقايا من العصر النيوليثي . فقد كانت شرقي الأردن قد غزيت أثناء فتوحات الملك سرجون سنة 3000 ق م ، حيث وصل بجيوشه إلى شواطئ البحر المتوسط . وكان ملك عيلام ومعه تحالف كبير ، قد حارب عدة ملوك في شرقي الأردن منهم : بارع ملك سدوم ، وبرشاع ملك عمورة ، وشنآب ملك أدوم ، وملك صبوئيم ، وملك بالع قرب زغر ، فتمكن من إخضاعهم جميعا مدة اثنتي عشرة سنة ، وفي السنة الثالثة عشرة انقضوا عليه فكر عليهم وغلبهم في جبلهم سعير ، فهرب من المعركة ملكا سدوم وعمورة ، وبينما كانا يجتازان وادي السديم أي غور الصافي غرقوا في طينه اللزج ، فخضعت البلاد لحكم البابليين . وقد تألفت في شرقي الأردن بين عام 2000 ق م وخروج العبرانيين من مصر ، تألفت في شرقي الأردن عدة دول وممالك ، بعدما كانت منقسمة عشائريا ، ومن هذه الدول : جلعاد أو عجلون ، مع نصف البلقاء حتى الصلت ، والتي كانت جزءا من بلاد الآموريين ، الذين انتشروا قبل الخروج بقليل ، وكانت حدودهم من وادي يبوق أي الزرقاء إلى ارنون أي وادي الموجب ، وأسسوا دولة تحت حكم الملك سيحون ، والى جانبها كانت مملكة عمون وعاصمتها ربة عمون ، وفي هذه الفترة توسعت مملكة مؤاب فامتدت من وادي الموجب إلى وادي الحسا وعاصمتها الربة، ثم انتقلت العاصمة إلى الكرك في عهد الملك ميشع ، أما مملكة أدوم الآرامية ، فقد كانت ممتدة من جنوبي الحسا إلى وادي الموجب ، وكانت تضم منطقة جبال والطفيلة ووادي عربة والشوبك والبتراء ، وكانت عاصمة أدوم هي بصيرة . - أما مملكة مديان ؛ فقد كانت في جنوبي بلاد حسمى في شرقي الأردن ، وكانت مؤلفة من قبائل بدوية .

حين دخلت الخيل إلى منطقة غربي آسيا من إيران سنة 2000 ق م ، زاد الطلب عليها خاصة من منطقة شرقي الأردن ، حيث كانت تربى ، اذ حملها الهكسوس التي تعود جذورهم الى شرقي الاردن معهم إلى مصر ، فأحدثت انقلابا هائلا في الفنون الحربية ، فكان اختراع عربات الخيول ضرورة عسكرية مهمة في تلك الفترة ، وقد استمرت تجارة الخيول من شرقي الأردن إلى مصر إلى أوائل القرن العشرين وقد شهدت شرقي الأردن مرور بني إسرائيل فيها في طريقهم إلى فلسطين ، بعد أن تاهوا أربعين عاما في سيناء ، فقد حاولوا الدخول من مؤاب إلا أن المؤابيين رفضوا مرورهم ، ثم توجهوا إلى مملكة أدوم فرفضوا مرورهم أيضا ، رغم أن بني إسرائيل عرضوا دفع ثمن الكلأ والماء لأهل أدوم طيلة فترة مرورهم ، ثم مروا في أطراف أدوم ، فقد توفي هارون شقيق النبي موسى في جنوب أدوم فدفن في جبل هور أي جبل هارون في أعالي البتراء ، ثم قفلوا راجعين إلى وادي عربة ، ثم إلى وادي اليتم متجنبين حدود أدوم ، ثم ساروا شرقا ، وداروا من منطقة الجفر ، ثم اتجهوا إلى شمال حدود مملكة مؤاب متجهين إلى وادي الموجب ، الذي كان حدا فاصلا بين ممالك الأموريين والمؤابيين ، فأرسلوا رسلهم إلى سيحون ملك الأموريين وعاصمتهم حسبان ، فاستأذنوهم بالمرور من بلادهم ، فرفض الملك سيحون الموافقة على مرورهم ، فما كان أمامهم إلا أن يحاربوا دويلة سيحون ، فوقعت المعركة في مكان يدعى جهاز ، فانتصر الإسرائيليون على سيحون ، ثم عادوا فاتجهوا إلى الجنوب الغربي إلى شمالي البحر الميت ، وفي الطريق أرسلوا جيشا لمحاربة عوج ملك باشان أي بيسان في شمالي غور الأردن ، وتمكن الجيش من الانتصار على باشان في درعا . واتجه الإسرائيليون إلى منطقة عيون موسى وجبل نيبو غربي مادبا ، فلقي النبي موسى حتفه في نيبو ولم يدخل فلسطين أو ارض الميعاد ، فجاء في التوراة : " قد أريتك إياها بعينيك ولكنك إلى هناك لا تعبر" . وقد تسببت محاولات العبرانيين لعبور شرقي الأردن إلى فلسطين بنشوب حالة دائمة من العداء بين ممالك شرقي الأردن والإسرائيليين ، فقامت الحروب والمنازعات ، حتى انه عندما حاصر نبوخذ نصر البابلي القدس عام 587 ق م انضم إليه الآدوميون . وقد بقي ملك أدوم إلى أن طرد الأنباط الأدوميين من جبل سعير وأرغموهم على الرحيل إلى فلسطين . كما كان من نتائج مرور الإسرائيليين في شرقي الأردن ؛ أن سقطت مملكة سيحون وهي فتية . وقد استمرت الحروب بين الإسرائيليين الذين ملكوا فلسطين ، وممالك شرقي الأردن عدة قرون خاصة مع أدوم ومؤاب وعمون ، حتى أن المؤابيين تمكنوا من غزو الإسرائيليين في فلسطين ، فعقد الإسرائيليون هدنة مع قبائل بلست التي قدمت فلسطين من كريت لرد غارات مؤاب ، كما تعرضت أدوم لغارات البدو القاطنيين إلى الشرق من مملكته فغزاهم هدد ملك أدوم . ولم تقو مملكة عمون على رد هجمات الإسرائيليين مطولا ، فاندحرت أمامهم في عوروعير في وادي الموجب ، واندحرت ثانية في سنة 1020 ق م بالقرب من يابش وادي اليابس ، حيث فقدت ملكها ناحاش في تلك المعركة . اما مؤاب ؛ فقد تمكنت نتيجة المعارك مع الإسرائيليين من استرجاع اراضيها إلى مياه نمرين ، فيما بقيت جلعاد اي غربي منطقة شرقي الأردن بيد الإسرائيليين اثني عشر عاما، ولكن عمون تمكنت من فرض سيطرتها فيما بعد على المنطقة وطرد الغزاة . وفي حوالي عام 1000 ق م ؛ أصبح داوود ملكا لإسرائيل ، فقرر شن الحرب على الممالك المجاورة ومنها ممالك شرقي الأردن ، فغزا مؤاب ، ثم حاول غزو عمون ، إلا أن عمون عقدت حلفا مع الآراميين في سوريا ، فأرسل داوود إلى عمون رسلا يخطب ودهم ، إلا أن حانون ملك عمون احتقر رسل الإسرائيليين ؛ فحلق نصف لحاهم وطردهم ، ولهذا قرر الملك داوود غزو مملكة عمون فأرسل جيشا إلى شرقي الأردن ، وبعد سلسلة معارك اندحرت قوى عمون ، ثم توجه إلى أدوم في جنوبي الأردن ، فهاجمها وقتل ملكها هدد الثاني فهرب ابنه هدد الثالث إلى مصر . وما لبث اجتمعت ممالك شرقي الأردن وطردت الاسرائيليين، في عهد النبي سليمان ، فرجع الملك الأدومي هدد الثالث من مصر ، بعدما تزوج من أخت الملكة تحفنيس امرأة فرعون شيشونك الأول ، الذي حكم خلال الفترة من 945 – 924 ق م ، وهكذا لم يبق لليهود في شرقي الأردن ؛ إلا بقعة صغيرة تقع قرب العقبة تعرف باسم عصيون جابر. وعادت الحروب لتستعر بين الإسرائيليين في فلسطين وممالك شرقي الأردن ، إلى أن ضعفت المملكة اليهودية . ومما يجدر ذكره أن ملك مؤاب ميشع ، قد ترك سجلا لانتصاراته على الإسرائيليين على حجر اكتشف في ذيبان يعود إلى عام 1868 ق م ، فقد تمكن بعد الانتصار عليهم من توسيع حدود مملكته إلى معان . _--_