سيرة رسول الله محمد بن عبد الله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نسبه الشريف[عدل | عدل المصدر]
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم و اسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد بن كلاب و اسمه حكيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و اسمه قيس بن كنانة بن خزيمة بن مدركة و اسمه عامر بن الياس بن مضر و اسمه عمرو بن نزار بن معد بن عدنان. و نسبه صلى الله عليه وآله إلى عدنان متفق عليه و بعد عدنان فيه اختلاف كثير -و كنيته- أبو القاسم.
-و أمه- آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.و أمها برة بنت أسد بن عبد العزى و كان وهب سيد بني زهرة خطبها لعبد الله و زوجه بها أبوه عبد المطلب و كان سن عبد الله يومئذ »أربعا و عشرين« سنة.
حمله المبارك[عدل | عدل المصدر]
حملت به أمه ايام التشريق -1- هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر من ذي الحجة و سميت أيام التشريق لأنهم كانوا يشرقون لحوم الأضاحي فيها أي ينشرونها في الشمس فتكون مشرقة عليها.قالت: فما وجدت له مشقة حتى وضعته ثم خرج أبوه عبد الله و أمه حامل به في تجارة له إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك و مات و رسول الله صلى الله عليه وآله حمل و قيل كان عمره »سنتين و أربعة أشهر« و قيل كان عمره »سبعة أشهر« و قيل »شهرين« و كان عبد الله فقيرا لم يخلف غير خمسة من الإبل و قطيع غنم و جارية اسمها بركة و تكنى أم أيمن و هي التي حضنت النبي صلى الله عليه وآله.
مولده الميمون[عدل | عدل المصدر]
ولد صلى الله عليه وآله بمكة يوم الجمعة أو يوم الإثنين عند طلوع الشمس أو عند طلوع الفجر أو عند الزوال على اختلاف الأقوال السابع عشر من شهر ربيع الأول على المشهور بين الإمامية و قال الكليني منهم لاثنتي عشرة ليلة مضت منه و هو المشهور عند غيرهم و بعضهم وافقنا. -2- هنا إشكال و هو أنه إذا كان حمله أيام التشريق و هي الثالث عشر و الرابع عشر و الخامس عشر من ذي الحجة و ولادته في ربيع الأول فإن كان من تلك السنة كان حمله أقل من ستة أشهر و الاتفاق حاصل على أن الحمل لا يكون أقل من ذلك و إن كان من السنة الثانية كانت مدة حمله نحوا من سنة و أربعة أشهر و أقصى مدة الحمل عندنا أقل من ذلك»و أجيب«بأن كون حمله أيام التشريق مبني على النسيء الذي كان في الجاهلية و هو أنهم كانوا إذا احتاجوا إلى الحرب في شهر من الأشهر الحرم حاربوا فيه و جعلوا بدله شهرا آخر و الله أعلم.
واتفق الرواة على أنه صلى الله عليه وآله ولد عام الفيل بعد خمسة و خمسين يوما أو خمسة و أربعين أو ثلاثين يوما من هلاك أصحاب الفيل لأربع و ثلاثين سنة و ثمانية أشهر أو لاثنتين و أربعين سنة مضت من ملك كسرى أنوشروان و لسبع بقين من ملكه.
و أرسلت آمنة إلى عبد المطلب تبشره فسر بذلك و دخل عليها و قام عندها يدعو الله و يشكر ما أعطاه و قال: الحمد لله الذي أعطاني هذا الغلام الطيب الأردان قد ساد في المهد على الغلمان أعيذه بالله ذي الأركان حتى أراه بالغ البنيان أعيذه من شر ذي شنان
و كانت ولادته في الدار المعروفة بدار ابن يوسف و هو محمد بن يوسف أخو الحجاج و كان صلى الله عليه وآله وهبها لعقيل بن أبي طالب فلما توفي عقيل باعها ولده من محمد بن يوسف أخي الحجاج فلما بنى داره المعروفة بدار ابن يوسف أدخل ذلك البيت في الدار ثم أخذته الخيزران أم الرشيد فأخرجته و جعلته مسجدا يصلي فيه و هو معروف إلى الآن يزار و يصلى فيه و يتبرك به و لما أخذ الوهابيون مكة في عصرنا هذا هدموه و منعوا من زيارته على عادتهم في المنع من التبرك بآثار الأنبياء و الصالحين و جعلوه مربطا للدواب
رضاعه[عدل | عدل المصدر]
أرضعته أولا ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابنها مسروح أياما قبل أن تقدم حليمة و كانت أرضعت قبله عمه حمزة.فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يكرمها و تكرمها زوجته خديجة أم المؤمنين و أعتقها أبو لهب بعد الهجرة فكان صلى الله عليه وآله يبعث إليها من المدينة بكسوة و صلة حتى ماتت فسأل عن ابنها مسروح فقيل مات فسأل عن قرابتها فقيل ماتوا.
ثم أرضعته حتى شب حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله السعدية من بني سعد بن بكر و كان أهل مكة يسترضعون لأولادهم نساء أهل البادية طلبا للفصاحة و لذلك قال صلى الله عليه وآله أنا أفصح من نطق بالضاد، بيد أني من قريش و استرضعت في بني سعد.فجاء عشر نسوة من بني سعد بن بكر يطلبن الرضاع و فيهن حليمة فأصبن الرضاع كلهن إلا حليمة و كان معها زوجها الحارث المكني أبا ذؤيب و ولدها منه عبد الله فعرض عليها رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت يتيم و لا مال له و ما عست أمه إن تفعل فخرج النسوة و خلفنها فقالت لزوجها ما ترى قد خرج صواحبي و ليس بمكة غلام يسترضع إلا هذا الغلام اليتيم فلو أنا أخذناه فإني أكره أن أرجع بغير شيء فقال لها خذيه عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا فأخذته فوضعته في حجرها فدر ثدياها حتى روي و روي أخوه و كان أخوه لا ينام من الجوع فبقي عندها سنتين حتى فطم فقدموا به على أمه زائرين لها و أخبرتها حليمة ما رأت من بركته فردته معها ثم ردته على أمه و هو ابن »خمس سنين و يومين«.
و قدمت حليمة على رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما تزوج فبسط لها رداءه و أعطتها خديجة أربعين شاة و أعطتها بعيرا.و جاءت إليه يوم حنين فقام إليها و بسط لها رداءه فجلست عليه.
و جاءه وفد هوازن يوم حنين و فيهم أبو ثروان أو أبو برقان عمه من الرضاعة و قد سبي منهم و غنم و طلبوا أن يمن عليهم فخيرهم بين السبي و الأموال فقالوا خيرتنا بين أحسابنا و أموالنا و ما كنا لنعدل بالأحساب شيئا فقال أما ما لي و لبني عبد المطلب فهو لكم و سأسأل لكم الناس فقال المهاجرون و الأنصار ما كان لنا فهو لرسول الله و أبى بعض المؤلفة قلوبهم من قبائل العرب و قبائلهم فأعطاهم إبلا عوضا من ذلك و يأتي تفصيله في وقعة حنين و جاءوا يوم حنين بأخته صلى الله عليه وآله من الرضاعة و هي الشيماء بنت الحارث فقالت يا رسول الله إني أختك من الرضاعة فبسط لها رداءه فأجلسها عليه و قال إن أحببت فعندي محببة مكرمة و إن أحببت أن أعطيك و ترجعي إلى قومك فقالت بل تعطيني و تردني إلى قومي.
كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وآله[عدل | عدل المصدر]
كفل النبي صلى الله عليه وآله بعد أبيه جده عبد المطلب و قام بتربيته و حفظه أحسن قيام و رق عليه رقة لم يرقها على ولده و كان يقربه منه و يدنيه و لا يأكل طعاما إلا أحضره و كان يدخل عليه إذا خلا و إذا نام و يجلس على فراشه فيقول دعوه. و لما صار عمره »ست سنين« و ذلك بعد مجيئه من عند حليمة بسنة أخرجته أمه إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به و معه أم أيمن تحضنه فبقيت عندهم شهرا ثم رجعت به أمه إلى مكة فتوفيت بالأبواء بين المدينة و مكة فعادت به أم أيمن إلى مكة إلى جده عبد المطلب و بقيت تحضنه فبقي في كفالة عبد المطلب من حين وفاة أبيه ثمان سنين.و توفي عبد المطلب و عمره »ثمانون سنة« فلما حضرته الوفاة أوصى ولده أبا طالب بحفظ رسول الله صلى الله عليه وآله و حياطته و كفالته و لم يكن أبو طالب أكبر إخوته سنا و لا أكثرهم مالا فقد كان الحارث أسن منه و العباس أكثرهم مالا لكن عبد المطلب اختار لكفالته أبا طالب لما توسمه فيه من الرعاية الكافية لرسول الله صلى الله عليه وآله و لأنه كان على فقره أنبل إخوته و أكرمهم و أعظمهم مكانة في قريش و أجلهم قدرا فكفله أبو طالب و قام برعايته أحسن قيام، و كان يحبه حبا شديدا لا يحبه ولده و كان لا ينام إلا إلى جنبه و يخرج فيخرج معه و صب به أبو طالب صبابة لم يصب مثلها بشيء قط و كان يخصه بالطعام و كان أولاده يصبحون رمصا شعثا و يصبح رسول الله صلى الله عليه وآله كحيلا دهبنا] دهينا[ و كان أبو طالب توضع له وسادة بالبطحاء يتكئ عليها أو يجلس عليها فجاء النبي صلى الله عليه وآله فجلس عليها فقال أبو طالب إن ابن أخي هذا ليحس بنعيم و خرج به معه إلى الشام و هو ابن »اثنتي عشرة سنة« بعد ما عزم على إبقائه بمكة لكنه أبى إلا أن يصحبه فأخذه معه حتى بلغ به بصري فرآه بحيرا الراهب، و لم يزل أبو طالب يكرمه و يحميه و ينصره بيده و لسانه طول حياته.و حكى ابن أبي الحديد في شرح النهج عن أمالي أبي جعفر محمد بن حبيب إن أبا طالب كان كثيرا ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله البيات فكان يقيمه ليلا من منامه و يضجع ابنه عليا مكانه فقال له علي ليلة يا أبة إني مقتول فقال له أبو طالب: إصبرن يا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوب قد بذلناك و البلاء شديد لفداء الحبيب و ابن الحبيب لفداء الأغر ذي الحسب الثاقب و الباع و الكريم النجيب إن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها و غير مصيب كل حي و إن تملى بعمر آخذ من مذاقها بنصيب و استسقى به أبو طالب و هو صغير. أخرج ابن عساكر إن أهل مكة قحطوا فخرج أبو طالب و معه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنها سحابة قتماء فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة و لاذ الغلام بأصبعه و ما في السماء قزعة فأقبل السحاب من هاهنا و هاهنا و أغدق و اخصبت الأرض و في ذلك يقول أبو طالب: و أبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل تلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل و شهد الفجار و هو ابن »عشرين سنة« -و الفجار- من حروب العرب المشهورة كانت بين قيس و بين قريش و كنانة فكانت الدبرة أول النهار لقيس على قريش و كنانة ثم صارت لقريش و كنانة على قيس قال رسول الله صلى الله عليه وآله حضرته مع عمومتي و رميت فيه بأسهم و ما أحب أني لم أكن فعلت.و سميت الفجار لأنها وقعت في الأشهر الحرم.
حلف الفضول[عدل | عدل المصدر]
و حضر حلف الفضول و كان منصرف قريش من الفجار و كان أشرف حلف و أول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب فاجتمعت بنو هاشم و زهرة و تيم في دار عبد الله بن جدعان فتعاقدوا و تعاهدوا بالله لنكونن مع المظلوم حتى يؤدي إليه حقه ما بل بحر صوفة، و في التأسي في المعاش فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول و لا يعلم أحد سبق بني هاشم بهذا الحلف قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أحب أن لي بحلف حضرته في دار ابن جدعان حمر النعم و لو دعيت به لأجبت.
تزوجه بخديجة[عدل | عدل المصدر]
و خرج إلى الشام في تجارة لخديجة و هو ابن »خمس و عشرين سنة« مع غلامها ميسرة و كانت خديجة ذات شرف و مال تستأجر الرجال في تجارتها و لما علم أبو طالب بأنها تهيء تجارتها لإرسالها إلى الشام مع القافلة قال له: يا ابن أخي أنا رجل لا مال لي و قد اشتد الزمان علينا و قد بلغني أن خديجة استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لك بمثل ما أعطته فهل لك أن أكلمها قال ما أحببت فقال لها أبو طالب هل لك أن تستأجري محمدا فقد بلغنا أنك استأجرت فلانا ببكرين و لسنا نرضى لمحمد دون أربعة بكار فقالت لو سألت ذلك لبعيد بغيض فعلنا فكيف و قد سألته لحبيب قريب فقال له أبو طالب هذا رزق و قد ساقه الله إليك فخرج صلى الله عليه وآله مع ميسرة بعد أن أوصاه أعمامه به و باعوا تجارتهم و ربحوا أضعاف ما كانوا يربحون و عادوا فسرت خديجة بذلك و وقعت في نفسها محبة النبي صلى الله عليه وآله و حدثت نفسها بالتزوج به و كانت قد تزوجت برجلين من بني مخزوم توفيا و كان قد خطبها أشراف قريش فردتهم فتحدثت بذلك إلى أختها أو صديقة لها اسمها نفيسة بنت منية فذهبت إليه و قالت ما يمنعك أن تتزوج قال ما بيدي ما أتزوج به قالت فإن كفيت ذلك و دعيت إلى الجمال و المال و الشرف و الكفاءة ألا تجيب قال فمن هي قالت خديجة قال كيف لي بذلك قالت علي ذلك فأجابها بالقبول و خطبها إلى عمها أو أبيها و حضر مع أعمامه فزوجها به عمها لأن أباها كان قد مات و قيل زوجها أبوها و أصدقها عشرين بكرة و انتقل إلى دارها و كان ذلك بعد قدومه من الشام بشهرين و أيام و عمرها »أربعون سنة« و كانت امرأة حازمة جلدة شريفة آمنت برسول الله صلى الله عليه وآله أول بعثته و إعانته بأموالها على تبليغ رسالته و خففت من تألمه لخلاف قومه و قوت عقيدته ببراهين نبوته أول ظهورها و عزيمته في المضي لما بعث به.و قد جاء أنه إنما قام الإسلام بأموال خديجة و سيف علي بن أبي طالب و لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وآله يرى لها المكانة العظمى في حياتها و بعد وفاتها التي كان لا يراها لواحدة من أزواجه.
بناء الكعبة المعظمة[عدل | عدل المصدر]
و بنيت الكعبة و هو ابن »خمس و ثلاثين سنة« و كانت قد تشعثت من السيل فخافت قريش من هدمها ثم أقدمت عليه فلما بلغ البناء موضع الحجر الأسود اختلفت بينها فيمن يضعه في مكانه و كل قبيلة أرادت ذلك لنفسها حتى كادت تقع فتنة ثم رضوا بحكمه فحكم أن يوضع الحجر في ثوب و يحمل أطرافه من كل قبيلة رجل فرضوا بذلك ثم أخذه من الثوب و وضعه في مكانه.
صفته في خلقه و حليته[عدل | عدل المصدر]
و قد جاءت صفته هذه في كلام أم معبد و أمير المؤمنين علي عليه السلام و أنس بن مالك و هند بن أبي هالة و في كلامهم مع ذلك صفة بعض أخلاقه و أفعاله و لم نفصل بين الأمرين ليتبع الكلام بعضه بعضا و لا يكون مبتورا. وصفته أم معبد الخزاعية حين مر عليها في هجرته إلى المدينة كما يأتي حين قال لها زوجها صفيه لي.فقالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة متبلج الوجه حسن الخلق لم تعبه ثجلة -1- الثجلة بالضم عظم البطن و لم تزر به صعلة -2- لم تعبه دقة و نحول وسيم قسيم -3- أعطي كل شيء منه قسمه من الحسن في عينيه دعج و في أشفاره وطف و في صوته صحل -4- الصحل البحوحة أحور -5- الحور شدة بياض بياض العين و سواد سوادها و لا ينافيه ما ورد إن في عينيه حمرة دائما لأن وجود الحمرة في جانب لا ينافي شدة بياض ما ليس فيه حمرة. أكحل أزج أقرن -6- مقرون الحاجبين متصل أحدهما بالآخر. شديد سواد الشعر في عنقه سطع -7- طول. و في لحيته كثاثة إذا صمت فعليه الوقار و إن تكلم سما و علاه البهاء و كان منطقه خرزات نظم يتحدرن أجهر -8- جهر الرجل كمنع عظم في عينيه و راعه جماله و هيأته و جهر ككرم فخم بين عيني الرائي و الأجهر الحسن المنظر. الناس و أبهاه من بعيد و أحلاه و أحسنه من قريب حلو المنطق فصل لا نزر و لا هذر ربعة لا تشنؤه من طول و لا تقحمه -9- لا تحتقره. عين من قصر غصن بين غصنين فهو أنضر الثلاثة منظرا و أحسنهم قدا له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله و إن أمر تبادروا إلى أمره محفود محشود لا عابس و لا مفند. -10- إن قرئ بصيغة الفاعل فمعناه ليس بكثير اللوم و التخطئة لغيره و إن قرئ بصيغة المفعول فمعناه إنه لا يجرؤ أحد على تخطئته و تفنيد رأيه. و قيل لأمير المؤمنين علي عليه السلام كيف لم يصف أحد النبي صلى الله عليه وآله كما وصفته أم معبد قال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن. و وصفه صلى الله عليه وآله علي أمير المؤمنين عليه السلام روى ذلك ابن سعد في الطبقات بعدة روايات بينها بعض التفاوت و الاختلاف في الألفاظ و كأنه وصفه عدة مرار و نحن نجمع بينها و نذكر حاصلها قال عليه السلام: كان صلى الله عليه وآله أبيض اللون مشربا حمرة أدعج العين سبط الشعر أسوده -و في رواية لم يكن بالجعد القطط و لا السبط كان جعدا رجلا- كث اللحية -11- كثيفها. سهل الخد صلت الجبين ذا وفرة دقيق المسربة -12- المسربة بضم الراء ما دق من شعر الصدر سائلا إلى السرة. -و في رواية طويل المسربة- كأن عنقه إبريق فضة -13- معناه كان عنقه سيف فضة لأن الإبريق في اللغة السيف البراق و في السيرة الحلبية الإبريق السيف الشديد البريق. له شعر من لبته إلى سرته يجري كالقضيب ليس في بطنه و لا صدره شعر عيره]غيره[ شثن الكف و القدم إذا مشى كأنما ينحدر من صبب -14- الصبب بالتحريك ما انحدر من الأرض كناية عن مشيه بقوة و هي مشية أصحاب الهمم العلية و من قلبه حي بخلاف الماشي متهاونا كالخشبة أو طائشا ينزعج فالأول يدل على الخمول و موت القلب و الثاني على خفة الدماغ و موت القلب. و إذا مشى كأنما ينقلع من صخر -15- أي يرفع رجله بقوة. -و في رواية- إذا مشى تقلع -1- في الفائق تقلع ارتفع قدمه على الأرض ارتفاعة كما تنقلع عنها و هو نفي للاختيال في المشي. كأنما ينحدر من صبب أو كأنما يمشي في صبب -و في أخرى-إذا مشى تكفأ -2- تكفأ تمايل إلى قدام لأن ذلك أقرب إلى الوقار و التواضع و لا ينصب قامته و لا يؤخر صدره و يتمايل إلى وراء لأن ذلك فعل المتكبرين و المختالين. كأنما يمشي في صعد -3- الصعد بفتحتين خلاف الصبب أي كأنما يمشي في موضع عال.و كل هذه الصفات من قوله كأنما ينحدر من صبب كأنما ينقلع من صخر إذا مشى تقلع و ما يأتي في حديث ابن أبي هالة إذا زال زال قلعا كناية عن أن مشيه بقوة و عزم كمشي الاشداء كأنه يرفع رجليه من الأرض رفعا قويا لا كمشي الكسالى الذين يجرون أرجلهم جرا أو المختالين الذين يتمايلون في مشيهم. -و في رواية تكفأ تكفؤا كأنما ينحط من صبب- إذا التفت التفت جميعا كأن عرقه في وجهه اللؤلؤ و لريح عرقه أطيب من المسك الأذفر إذا جاء مع القوم غمرهم -4- في النهاية غمرهم أي كان فوق كل من معه من قولهم ماء غمر يغمر من دخله و يغطيه. ليس بالقصير و لا بالطويل -و في رواية- كان ربعة من القوم -و في رواية- ليس بالذاهب طولا و فوق الربعة -و في أخرى- و هو إلى الطول أقرب.و لا بالعاجز و لا اللئيم لم أر قبله و لا بعده مثله تدوير أجرد -5- الأجرد ضد الأشعر و هو الذي على جميع بدنه شعر أي ليس على جميع بدنه شعر بل على أماكن منه كالمسربة و الساعدين و الساقين-المؤلف- أجود الناس كفا و أجرأ الناس قلبا و أوسع الناس صدرا و أصدق الناس لهجة و أوفى الناس بذمة و ألينهم عريكة و أكرمهم عشرة من رآه بديهة هابه -6- لما يرى فيه من الوقار و الجلال و ملامح العزم و الحزم و قوة الإرادة و علو الهمة و شدة البأس. و من خالطه معرفة أحبه -7- لما يرى فيه من سعة الصدر و حسن الخلق و البر و الجود و كرم العشرة. يقول باغته -أو ناعته- لم أر قبله و لا بعده مثله صلى الله عليه وآله»اه«.
و مما وصفه به بوابه أنس بن مالك فيما رواه ابن سعد في الطبقات فقال: ليس بالأبيض الأمهق -8- الأمهق الكريه البياض كلون الجص. و لا بالآدم -9- الشديد السمرة. -و في رواية- كان أسمر و هو ينافي الروايات الكثيرة القائلة أنه كان أبيض مشربا بحمرة: و ما شممت مسكة و لا عنبرة أطيب من ريحه كثير العرق.و سئل سعد بن أبي وقاص كما في طبقات ابن سعد هل خضب رسول الله صلى الله عليه وآله قال لا كان شيبه في عنفقته و ناصيته و لو أشاء أعدها لعددتها.و روى ابن سعد في الطبقات بسنده عن الحسن بن علي عليه السلام أنه سأل خاله هند بن أبي هالة التميمي عن حلية رسول الله صلى الله عليه وآله و كان وصافا فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله فخما مفخما يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع و أقصر من المشذب -10- المشذب الطويل البائن الطول مع نقص في لحمه و أصله من النخلة الطويلة التي شذب عنها جريدها. عظيم الهامة رجل الشعر -11- أي ليس شديد السبوطة و لا الجعودة بل بينهما. إن انفرقت عقيصته فرق و إلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره -12- في السيرة الحلبية أي إذا انفرقت من ذات نفسها فرقها أي إبقاها مفروقة و إلا تركها على حالها معقوصة و وفره أي جعله وفرة. أزهر اللون واسع الجبين أزج الحواجب سوابغ في غير قرن.بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشم -13- العرنين الأنف و القنا طوله و دقة أرنبته مع حدب في وسطه و الشمم ارتفاع قصبته و استواء أعلاه و أشراف الأرنبة قليلا أي أن الحدب في أنفه قليل جدا لا يدركه إلا المتأمل و لذلك يحسبه من لم يتأمله أشم. كث اللحية ضليع الفم -14- أي عظيمة و قيل واسعة و العرب تعد ذلك مدحا و غيره ذما. مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك -15- المتماسك الذي يمسك بعض أعضائه بعضا فهو معتدل الخلق. سواء البطن و الصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة و السرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين و البطن مما سوى ذلك أشعر الذراعين و المنكبين و أعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة سبط القصب -16- القصب بالتحريك عظام الأصابع و كل عظم مجوف فيه مخ. شثن الكفين و القدمين سائل الأطراف -17- أي ممتدها و في النهاية رواه بعضهم بالنون و هو بمعناه كجبريل و جبرين. خمصان الأخمصين -18- الأخمص بفتح الميم من القدم الموضع الذي لا يلصق بالأرض منها عند الوطء و الخمصان بضم الخاء المبالغ منه أي إن ذلك الموضع من أسفل قدميه شديد التجافي عن الأرض. مسيح القدمين ينبو عنهما الماء -19- مسيح القدمين أي ملسا و إنهما لينتان ليس فيهما تكسر و لا شقاق فإذا أصابهما الماء نبا عنهما و لم يستقر. إذا زال زال قلعا -20- الظاهر أنه بفتح القاف و سكون اللام أي إذا مشى كأنه ينقلع من الأرض قلعا و مر تفسيره في الحواشي السابقة.و في النهاية لابن الأثير: في حديث ابن أبي هالة في صفته صلى الله عليه وآله إذا زال زال قلعا يروى بالفتح و الضم فبالفتح مصدر بمعنى الفاعل أي يزول قالعا لرجله من الأرض و بالضم إما مصدر أو اسم و هو بمعنى الفتح و قال الهروي : قرأت هذا الحرف في كتاب غريب الحديث لابن الأنباري قلعا بفتح القاف و كسر اللام و كذا قرأته بخط الأزهري و هو كما جاء في حديث آخر كأنما ينحط من صبب و الانحدار من الصبب و التقلع من الأرض قريب بعضه من بعض أراد أنه كان يستعمل التثبت و لا يبين منه في هذه الحال استعجال و مبادرة شديدة»اه«. يخطو تكفؤا -21- مر تفسيره. و يمشي هونا -22- الهون الرفق و اللين و التثبت. ذريع المشية -23- سريع المشي واسع الخطو. خافض الصوت نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء -24- و ذلك أقرب إلى الوقار و التواضع. جل نظره الملاحظة -25- أي قلما ينظر تحديقا. يسبق من لقيه بالسلام و يبدر أصحابه بالمصافحة دائم الفكرة ليست له راحة لا يتكلم في غير حاجة طويل السكوت يتكلم بجوامع الكلم فصل لا فضول و لا تقصير دمثا -26- لين الخلق سهله أصله من دمث المكان إذا لان و سهل.
ليس بالجافي و لا المهين يعظم النعمة و إن دقت لا يذم ذواقا -27- الذواق كسحاب فعال بمعنى مفعول أي المأكول و المشروب. و لا يمدحه لا تغضبه الدنيا و ما كان لها فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد -28- فلا يراعي أحدا في الحق. و لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له لا يغضب لنفسه و لا ينتصر لها إذا أشار أشار بكفه كلها و إذا تعجب قلبها و إذا تحدث يضرب براحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى و إذا غضب أعرض و أشاح -29- أصل الإشاحة الجد في الأمر و أشاح هنا أي جد في الأعراض و يحتمل أن يكون هنا بمعنى أعرض و نحا وجهه.و في تاج العروس أشاح بوجهه عن الشيء نحاه و في صفته صلى الله عليه وآله إذا غضب أعرض و أشاح و قال ابن الأعرابي أعرض بوجهه و أشاح أي جد في الأعراض قال و المشيح الجاد و إذا نحى الرجل وجهه عن وهج أصابه أو عن أذى قيل قد أشاح بوجهه »أه«. و إذا فرح غض طرفه جل ضحكه التبسم و يفتر عن مثل حب الغمام»اه«.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
أخلاقه و أطواره و آدابه[عدل | عدل المصدر]
قال ابن شهرآشوب في المناقب: أما آدابه فقد جمعها بعض العلماء و التقطها من الأخبار.
كان النبي صلى الله عليه وآله أحكم الناس و أحلمهم و أشجعهم و أعدلهم و أعطفهم و أسخاهم لا يثبت عنده دينار و لا درهم لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر و الشعير و يضع سائر ذلك في سبيل الله ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء و كان يجلس على الأرض و ينام عليها و يخصف النعل و يرقع الثوب و يفتح الباب و يحلب الشاة و يعقل البعير و يطحن مع الخادم إذا أعيا و يضع طهوره بالليل بيده و لا يجلس متكئا و يخدم في مهنة أهله و يقطع اللحم و لم يتجشأ قط و يقبل الهدية و لو أنها جرعة لبن و يأكلها و لا يأكل الصدقة و لا يثبت بصره في وجه أحد يغضب لربه و لا يغضب لنفسه و كان يعصب الحجر على بطنه من الجوع يأكل ما حضر و لا يرد ما وجد لا يلبس ثوبين يلبس بردا حبرة يمنية و شملة و جبة صوف و الغليظ من القطن و الكتان و أكثر ثيابه البياض و يلبس القميص من قبل ميامنه و كان له ثوب للجمعة خاصة و كان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا يلبس خاتم فضة في خنصره الأيمن و يكره الريح الردية و يستاك عند الوضوء و يردف خلفه عبده أو غيره و يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو حمار و يركب الحمار بلا سرج و عليه العذار و يمشي راجلا و يشيع الجنائز و يعود المرضى في أقصى المدينة يجالس الفقراء و يؤاكل المساكين و يناولهم بيده و يكرم أهل الفضل في أخلاقهم و يتألف أهل الشر بالبر لهم يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله و لا يجفو على أحد يقبل معذرة المعتذر إليه و كان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه القرآن أو تجر عظة و ربما ضحك من غير قهقهة لا يرتفع على عبيده و إمائه في مأكل و لا في ملبس ما شتم أحدا بشتمة و لا لعن امرأة و لا خادما بلعنة و لا لاموا أحدا إلا قال دعوه لا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته و لا يجزي بالسيئة السيئة و لكن يغفر و يصفح يبدأ من لقيه بالسلام و إذا لقي مسلما بدأه بالمصافحة و كان لا يقوم و لا يجلس إلا على ذكر الله و كان لا يجلس أليه أحد و هو يصلي إلا خفف صلاته و أقبل عليه و قال أ لك حاجة و كان يجلس حيث ينتهي به المجلس و يأمر بذلك و كان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة و كان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط له ثوبه و يؤثر الداخل بالوسادة التي تحته و كان في الرضى و الغضب لا يقول إلا حقا و كان يأكل القثاء بالرطب و الملح و كان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ و العنب و أكثر طعامه الماء و التمر و كان يتمجع اللبن بالتمر و يسميهما الأطيبين و كان أحب الطعام إليه اللحم و يأكل الثريد باللحم و كان يحب القرع و كان يأكل لحم الصيد و لا يصيده و كان يأكل الخبز و السمن و كان يحب من الشاة الذراع و الكتف و من الصباغ الخل و من التمر العجوة و من البقول الهندباء و كان يمزح و لا يقول إلا حقا. و مما جاء في صفته صلى الله عليه وآله أنه كان يسأل عن أصحابه فان كان أحدهم غائبا دعا له و إن كان شاهدا زاره و إن كان مريضا عاده و إذا لقيه الرجل فصافحه لم ينزع يده من يده حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها و لا يصرف وجهه عن وجهه حتى يكون الرجل هو الذي يصرفه و إذا لقيه أحد فقام معه أو جالسه أحد لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه و ما وضع أحد فمه في أذنه إلا استمر صاغيا حتى يفرغ من حديثه و يذهب. و كان ضحوك السن أشد الناس خشية و خوفا من الله و ما ضرب امرأة له و لا خادما يسبق حلمه غضبه و لا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلما أحسن الناس خلقا و أرجحهم حلما و أعظمهم عفوا أجود بالخير من الريح المرسلة أشجع الناس قلبا و أشدهم بأسا و أشدهم حياء أشد حياء من العذراء في خدرها و إذا أخذه العطاس وضع يده أو ثوبه على فيه يحب الفال الحسن و يغير الاسم القبيح بالحسن يشاور أصحابه في الأمر أكثر الناس إغضاء عن العورات إذا كره شيئا عرف في وجهه و لم يشافه أحدا بمكروه حتى إذا بلغه عن أحد ما يكره لم يقل ما بال فلان يقول أو يفعل كذا بل ما بال أقوام أوسع الناس صدرا ما دعاه أحد من أصحابه أو أهل بيته إلا قال لبيك يخالط أصحابه و يحادثهم و يداعب صبيانهم و يجلسهم في حجره يجيب دعوة الحر و العبد و الأمة و المسكين و لا يدعوه أحمر و لا أسود من الناس إلا أجابه لم ير قط مادا رجليه بين أصحابه و لا مقدما ركبتيه بين يدي جليس له قط -و قال أنس- خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله عشر سنين فما رأيته قط أدنى ركبتيه من ركبة جليسه -إلى أن قال- و ما قال لشيء صنعته لم صنعت كذا و لقد شممت العطر فما شممت ريح شيء أطيب ريحا من رسول الله صلى الله عليه وآله يدعو أصحابه بأحب أسمائهم و يكنيهم و إذا سمع بكاء الصغير و هو يصلي خفف صلاته.أكثر الناس شفقة على خلق الله و أرأفهم بهم و أرحمهم بهم أوصل الناس للرحم و أقومهم بالوفاء و حسن العهد يأكل على الأرض و قال آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد يلبس الغليظ و يحب التيامن في شأنه كله في طهوره و ترجله و تنعله يعود المساكين بين أصحابه و يعلف ناضحه و يقم البيت و يجلس و يأكل مع الخادم و يحمل بضاعته من السوق لا يجمع في بطنه بين طعامين أرجح الناس عقلا و أفضلهم رأيا.ما سئل شيئا قط فقال لا إذا أراد أن يفعل قال نعم و إذا لم يرد أن يفعل سكت و كان إذا جاء شهر رمضان أطلق كل أسير و أعطى كل سائل و كان أصبر الناس على أوزار الناس و إذا مشى أسرع ليس بالعاجز و لا الكسلان و ما رئي يأكل متكئا قط.و كثيرا ما يصلي في نعليه و يلبس القلانس اللاطئة و يلبس القلنسوة تحت العمامة و بدون عمامة و يتعمم بدون قلنسوة و كان له عمامة سوداء دخل يوم فتح مكة و هو لابسها و كان يلبسها في العيدين و يرخيها خلفه و روي أنها كانت تسعة أكوار و قال بعضهم الظاهر إنها كانت نحو عشرة أذرع -بذراع اليد- و كانت له بردة يخطب فيها توارثها الخلفاء و ادعوا أنها بردته صلى الله عليه وآله. و مما جاء في وصفه صلى الله عليه وآله انه كان حسن الإصغاء إلى محدثه لا يلوي عن أحد وجهه و لا يكتفي بالاستماع إلى من يحدثه بل يلتفت إليه بكل جسمه و كان قليل الكلام كثير الإنصات ميالا للجد من القول و يضحك إحيانا حتى تبدو نواجذه فإذا غضب لم يظهر من أثر غضبه إلا نفرة عرق بين حاجبيه.
قصة زينب بنت جحش[عدل | عدل المصدر]
هذه القصة تستحق التمحيص فقد نزل فيها القرآن الكريم و اشتملت على عدة أحكام خالفت أحكام الجاهلية و ذكر فيها بعض المفسرين من المسلمين ما يشوهها و يخرجها عن حقيقتها كما ذكروا في قصة يوسف و زليخا و داود و امرأة أوريا.مثل أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاء إلى منزل زوجها زيد و كان غائبا فرآها تغتسل فقال سبحان خالقك أو أن الهواء رفع الستر فرآها نائمة فوقعت في نفسه فقال شبه ذلك و أنه لما جاء زيد أخبرته فظن إنها وقعت في نفسه فأراد طلاقها ليتزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له أمسك عليك زوجك و نحو ذلك و استغل ذلك من يريد عيب الإسلام. و الحقيقة أن زينب كانت بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وآله لأن أمها أميمة بنت عبد المطلب و قد كان صلى الله عليه وآله يعرفها طفلة و شابة و هي بمنزلة إحدى بناته و هذا يكذب أنه لما رآها وقعت في قلبه ثم هو الذي خطبها على زيد مولاه و ساق عنه المهر فلو كان لها هذا الجمال البارع و هذه لمكانة ]المكانة[ من قلبه لخطبها إلى أهلها بدلا من أن يخطبها على مولاه و لكان أهلها أسرع إلى إجابته من إجابتهم إلى تزويجها بمولاه و عتيقه و احتمال أنها وقعت في قلبه بعد ما تزوجت و لم تقع في قلبه و هي خلية سخيف كما ترى فإن دواعي الطبيعة قبل تزوجها أكثر و أشد و لكن زينب كانت تستطيل على زيد بقربها من رسول الله صلى الله عليه وآله و إنها ابنة عمته و إنها قرشية و هو مولى و العرب ترى التزوج بالموالي عارا و إنما زوجها رسول الله صلى الله عليه وآله بزيد كسرا لنخوة الجاهلية و رغما عن إبائها و إباء عمها عبد الله حتى نزل فيهما على بعض الروايات و ما كان لمؤمن أو مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضل ضلالا مبينا فلم يجدا بدا من إطاعة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله و كان تزويجها بزيد عن غير رغبة منها أحد أسباب نفورها منه.فاشتكى زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله مرارا سوء خلقها معه و أراد طلاقها و الرسول صلى الله عليه وآله يقول له أمسك عليك زوجك.ثم لما طال به الأمر طلقها و كان رسول الله صلى الله عليه وآله قد تبناه فكان يقال له زيد بن محمد حتى نزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فقيل زيد بن حارثة و كان أهل الجاهلية يجرون على المتبني أحكام الابن النسبي من الميراث و تحريم النكاح فأنزل الله تعالى: و ما جعل أدعياءكم ابناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. فلما طلقها أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتزوجها ليمحو تلك العادة الجاهلية بالفعل كما محيت بالقول و بقي في نفسه بعض الإحجام لما عسى أن يقوله الناس في مخالفة هذه العادة المتأصلة في نفوسهم فيقولوا تزوج زوجة ابنه فخاطبه الله تعالى مقويا عزيمته بقوله: و تخفي في نفسك ما الله مبديه و تخشى الناس و الله أحق أن تخشاه فنفذ ما أمره الله تعالى به من إبطال أحكام الجاهلية و تزوجها فنزل قوله تعالى: فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا و كان أمر الله مفعولا.
أولاده[عدل | عدل المصدر]
-1- القاسم و به كان يكنى عاش حتى مشى و مات بمكة -2- عبد الله و يلقب بالطيب و الطاهر لولادته بعد الوحي ولد بمكة بعد الإسلام و مات بها و بعضهم يعد الطيب و الطاهر اثنين -3- فاطمة و هي صغرى بناته تزوجها علي عليه السلام بعد الهجرة -4- زينب و هي كبراهن تزوجها قبل الإسلام أبو العاص القاسم.قال المرزباني في معجم الشعراء: و هو الثبت و يقال لقيط و يقال مهشم بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف.و هو ابن أخت خديجة أمه هالة بنت خويلد فمحمد النبي صلى الله عليه وآله صهره -5- رقية -6- أم كلثوم زوجهما النبي صلى الله عليه وآله من عتبة و عتيبة ابني عمه أبي لهب فلما جاء الإسلام بلغ من عداوة قريش للنبي صلى الله عليه وآله أن قالوا فرغتم محمدا من همه بتزويج بناته فقالوا لأبي العاص طلق ابنة محمد و نزوجك بنت من أردت من قريش فأبى و طلبوا مثل ذلك إلى عتبة و عتيبة فطلقا زوجتيهما فتزوجهما عثمان واحدة بعد واحدة و أم الكل خديجة -7- إبراهيم بن مارية القبطية ولد بالمدينة و مات و هو ابن »ثمانية عشر شهرا«.
أعمامه صلى الله عليه وآله[عدل | عدل المصدر]
أبو طالب و اسمه عبد مناف و الزبير و حمزة و المقوم و العباس و ضرار و الحارث و قثم و أبو لهب و اسمه عبد العزى و الغيداق و اسمه مصعب أو نوفل و زاد بعضهم جحل و اسمه المغيرة و عبد الكعبة. عماته صلى الله عليه وآله صفية أم الزبير بن العوام و هي شقيقة حمزة و عاتكة و أم حكيم و برة و أميمة و أروى.
شعراؤه صلى الله عليه وآله[عدل | عدل المصدر]
حسان بن ثابت و عبد الله بن رواحة و كعب بن مالك. مؤذنوه صلى الله عليه وآله بلال و ابن أم مكتوم بالمدينة و سعد القرط مولى عمار بن ياسر بقبا
سلاحه صلى الله عليه وآله[عدل | عدل المصدر]
كان له تسعة سيوف منها ذو الفقار و سبع دروع منها ذات الفضول و ست قسي و ثلاث أتراس و رمحان و ثلاث حراب و خوذتان. دوابه صلى الله عليه وآله »أفراسه«أربع لزاز و الظرب و المرتجز و اليعسوب و قيل ست فزيد السكب و اللحيف»و نوقه«المعدة للركوب ثلاث القصواء و العضباء و الصهباء»و بغاله«ست أشهرها دلدل و كانت شهباء»و حمره«اثنان أحدهما يعفور. نقش خاتمه صلى الله عليه وآله »محمد رسول الله« ثلاثة أسطر و قيل كان نقش خاتمه -أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله- و كان خاتمه من حديد ملوي عليه فضة.
المبعث[عدل | عدل المصدر]
بعث رسول الله صلى الله عليه وآله بالنبوة في السابع و العشرين من شهر رجب يوم الإثنين على ما روي عن أئمة أهل البيت عليهم السلام و عمره »أربعون سنة«.و كان قبيل البعثة يختلي للعبادة في غار في أعلى جبل يقال له حراء على ثلاثة أميال من شمال مكة فبقي على ذلك عدة سنين و في ذلك الغار نزل عليه الوحي و كان أوله الرؤيا الصادقة روى البخاري و مسلم أن أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وآله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا ألا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه -و هو التعبد- الليالي ذوات العدد حتى فجاه الحق و هو في غار حراء فجاءه الملك فقال: -اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ و ربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم- فرجع بها يرجف فؤاده حتى دخل على خديجة فقال زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال يا خديجة ما لي؟و أخبرها الخبر و قال قد خشيت علي فقالت له كلا ابشر فو الله لا يخزيك الله أبدا أنك لتصل الرحم و تصدق الحديث و تحمل الكل و تقري الضعيف ]الضيف[ و تعين على نوائب الحق و روى الواحدي في أسباب النزول بسنده عن عكرمة و الحسن أن أول ما أنزل سورة العلق ثم روى بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه سئل أي القرآن أنزل قبل قال يا أيها المدثر قبل أو اقرأ باسم ربك فذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله حدثه قال جاورت بحراء شهرا ثم نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي و خلفي و عن يميني و عن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو في الهواء يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني ثم صبوا علي الماء فأنزل الله علي -يا أيها المدثر قم فأنذر- . ثم جمع بين الروايتين بالحديث عن جابر عن النبي بينما أنا أمشي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء و الأرض فجثثت -1- أي فزعت. منه رعبا فوجعت فقلت زملوني زملوني فدثروني فأنزل الله: يا أيها المدثر. قال الطبرسي في مجمع البيان بعد نقل ذلك: و في هذا ما فيه لأن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة و الآيات البينة الدالة على أن ما يوحى إليه إنما هو من الله تعالى فلا يحتاج إلى شيء سواها و لا يفزع و لا يفرق و قيل إنه كان قد تدثر بشملة صغيرة لينام فنزلت و قيل أول ما أنزل سورة الفاتحة ففي مجمع البيان أن الحاكم روى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لخديجة إذا خلوت سمعت نداء فقالت ما يفعل الله بك إلا خيرا فو الله أنك لتؤدي الأمانة و تصل الرحم و تصدق الحديث قالت خديجة فانطلقنا إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى و هو ابن عم خديجة و كان من أهل العلم الأول فأخبره رسول الله صلى الله عليه وآله بما رأى فقال له ورقة إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين حتى بلغ و لا الضالين قل لا إله إلا الله فأتى ورقة فذكر له ذلك فقال له أبشر ثم أبشر فأنا أشهد أنك الذي بشر به ابن مريم و أنك على مثل ناموس موسى و أنك نبي مرسل و أنك سوف تؤمر بالجهاد و لئن أدركني ذلك لأجاهدن معك و روي أن ورقة قال في ذلك شعرا: فإن يك حقا يا خديجة فاعلمي حديثك إيانا فأحمد مرسل و جبريل يأتيه و ميكال معهما من الله وحي يشرح الصدر ينزل يفوز به من فاز عزا لدينه و يشقي به الغاوي الشقي المضلل فريقان منهم فرقة في جنانه و أخرى بإغلال الجحيم تغلل أقول و في هذا أيضا ما فيه كما سبق عن مجمع البيان من أن الله تعالى لا يوحي إلى رسوله إلا بالبراهين النيرة و لم يكن ورقة أعرف بالله و بآياته منه صلى الله عليه وآله حتى يأتي إليه و يستثبت منه و يوشك أن تكون هذه الروايات كروايات الغرانيق الآتية و سهوه في الصلاة و شبه ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
انقطاع الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم[عدل | عدل المصدر]
في مجمع البيان: احتبس عنه الوحي خمسة عشر يوما عن ابن عباس و قيل اثني عشر يوما عن ابن جريح و قيل أربعين يوما عن مقاتل قال ابن عباس فقال المشركون إن محمدا قد ودعه ربه و قلاه -ودعه- تركه -و قلاه- أبغضه و لو كان أمره من الله لتتابع عليه الوحي فنزلت -و الضحى و الليل إذا سجى ما ودعك ربك و ما قلى- و روى الواحدي في أسباب النزول عن البخاري و مسلم أن امرأة من قريش قالت له ما أرى شيطانك إلا ودعك فنزلت و حكى الطبرسي في مجمع البيان أن القائلة له ذلك هي أم جميل بنت حرب زوجة أبي لهب.و روى الواحدي في أسباب النزول أنه أبطأ جبريل عن النبي صلى الله عليه وآله فجزع جزعا شديدا فقالت خديجة قد قلاك ربك لما يرى من جزعك فنزلت -أقول- الصواب أن القائل له ذلك المشركون أو أم جميل أو الجميع أما خديجة فكانت أعرف بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله من أن تقابله بهذا الكلام و كانت عادتها إذا رأت منه ما يهمه أن تسليه لا أن تزيد في همه و تجابهه بقولها: قد قلاك ربك.
القرآن الكريم[عدل | عدل المصدر]
و أنزل الله تعالى على نبيه حين بعثه بالنبوة قرآنا عربيا مبينا لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد أعجز به البلغاء و أخرس الفصحاء و تحداهم فيه بالمعارضة و عجزهم فلم يستطيعوا معارضته و هم أفصح العرب و إليهم تنتهي الفصاحة و البلاغة فحوى من أحكام الدين و أخبار الماضين و تهذيب الأخلاق و الأمر بالعدل و النهي عن الظلم و تبيان كل شيء ما يزال يتلي على كر الدهور و مر الأيام و هو غض طري يحير ببيانه العقول و لا تمله الطباع مهما تكررت تلاوته و تقادم عهده.
وفاة النبي صلى الله عليه وآله - جيش أسامة[عدل | عدل المصدر]
قال ابن إسحق ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وآله فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة و المحرم و صفرا و ضرب على الناس بعثا إلى الشام و أمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه و أمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء و الداروم من أرض فلسطين فتجهز الناس و أوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون و هو آخر بعث بعثه صلى الله عليه وآله و في رواية الطبري في تاريخه أمره أن يطئ آبل الزيت من مشارف الشام لأرض بالأردن : و قال ابن سعد في الطبقات : سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى أهل أبنى و هي أرض السراة ناحية البلقاء .قالوا لما كان يوم الإثنين لأربع ليال بقين من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة أمر صلى الله عليه وآله الناس بالتهيؤ لغزو الروم فلما كان من الغد دعا أسامة بن زيد فقال سر إلى موضع مقتل أبيك فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش فأغر صباحا على أهل أبنى و حرق عليهم و أسرع السير تسبق الأخبار فإن ظفرك الله فأقل اللبث فيهم و خذ معك الأدلاء و قدم العيون و الطلائع أمامك فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله صلى الله عليه وآله المرض فحم و صدع فلما أصبح يوم الخميس عقد لأسامة لواء بيده ثم قال أغز بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله فخرج و عسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين و الأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة فيهم أبو بكر و عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن ]أبي[ وقاص و سعيد بن زيد و غيرهم فتكلم قوم و قالوا يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله غضبا شديدا فخرج و قد عصب على رأسه عصابة فصعد المنبر فحمد الله و اثنى عليه ثم قال أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة و لئن طعنتم في إمارتي أسامة لقد طعنتم في أمارتي أباه من قبله و ايم الله إن كان للإمارة لخليقا و إن ابنه من بعده لخليق للإمارة ثم نزل فدخل بيته و ذلك يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول و ثقل رسول الله صلى الله عليه وآله فجعل يقول انفذوا بعث أسامة و روى ابن هشام في سيرته أن رسول الله صلى الله عليه وآله استبطا الناس في بعث أسامة و هو في وجعه فخرج عاصبا رأسه حتى جلس على المنبر و قال انفذوا بعث أسامة ثم نزل و انكمش الناس في جهازهم»اه« ثم قال ابن سعد في روايته بسنده عن عروة بن الزبير فجعل أسامة و أصحابه يتجهزون و قد عسكر بالجرف فاشتكى رسول الله صلى الله عليه وآله و هو على ذلك ثم وجد من نفسه راحة فخرج عاصبا رأسه فقال أيها الناس انفذوا بعث أسامة ثلاث مرات »اه«و روى ابن سعد بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله إني أوشك أن أدعى فأجيب و إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي و إن اللطيف الخبير أخبرني إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما. و قال المفيد في الإرشاد إنه صلى الله عليه وآله تحقق من دنو أجله ما كان قدم الذكر به لأمته فجعل يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده و الخلاف عليه و يؤكد وصاتهم بالتمسك بسنته و الاجتماع عليها و الوفاق و يحثهم على الاقتداء بعترته و الطاعة لهم و النصرة و الحراسة و الاعتصام بهم في الدين و يزجرهم عن الاختلاف و الارتداد و كان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواية على اتفاق و اجتماع من قوله صلى الله عليه وآله يا أيها الناس إني فرطكم و أنتم واردون علي الحوض ألا و إني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني و سألت ربي ذلك فأعطانيه ألا و إني قد تركتهما فيكم: كتاب الله و عترتي أهل بيتي و لا تسبقوهم فتفرقوا و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم أيها الناس لا ألفينكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كمجر السيل الجرار ألا و إن علي بن أبي طالب عليه السلام أخي و وصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله: و كان صلى الله عليه وآله يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام و نحوه ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة و أمره و ندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم و اجتمع رأيه على إخراج جماعة من مقدمي المهاجرين و الأنصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في أمر الرئاسة و يطمع في التقدم على الناس بالإمارة و يستتب الأمر لمن استخلفه من بعده و لا ينازعه في حقه منازع فعقد له الإمرة و جد في إخراجهم و أمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف و حث الناس على الخروج إليه و المسير معه و حذرهم من التلوم و الابطاء عنه فبينما هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها»انتهى«. و إذا أمعنا النظر في مجاري هذه الحوادث و تأملناها بانصاف مجرد عن شوائب العقائد أمكننا أن نقول إن النبي صلى الله عليه وآله مع ما تحققه من دنو أجله بوحي أو غيره و أومأ إليه بما أعلنه للملأ في خطبته المتقدمة التي خطبها في حجة الوداع بقوله: فإني لا أدري لعلي لا القاكم بعد عامي هذا، و قوله في بعض خطبه الآتية: قد حان مني خفوق من بين أظهركم و تأكيده الوصاية بالثقلين و قوله: قد كان جبرئيل يعرض علي القرآن في كل سنة مرة و قد عرضه علي العام مرتين و لا أراه إلا لحضور أجلي و اعتكافه في ذلك العام عشرين يوما و قد كان يعتكف عشرة، و غير ذلك من التصريح و التلويح بأنه عالم بدنو أجله و مع عروض المرض له و اشتداده عليه و هو مع ذلك كله يجتهد في تجهيز جيش أسامة و يحث عليه و يكرر الحث مرارا و يؤمر أسامة و هو غلام على وجوه المهاجرين و الأنصار و لا يشغله ما هو فيه من شدة المرض و تحقق دنو الأجل عن الاشتداد في تجهيز جيش أسامة . -و كانت- وفاته صلى الله عليه وآله يوم الإثنين على المشهور بين العلماء عند الزوال لليلتين بقيتا من صفر عند أكثر الإمامية ، و قال الكليني منهم: لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة و قال المفيد في الإرشاد و الطبرسي في أعلام الورى سنة عشر من الهجرة قال الطبري في تاريخه : لا خلاف بين أهل العلم بالإخبار أنه صلى الله عليه وآله قبض يوم الإثنين من شهر ربيع الأول غير أنه اختلف فيه فعن فقهاء أهل الحجاز أنه قبض نصف النهار يوم الإثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع و قال الواقدي توفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول. و روى ابن سعد في الطبقات أنه صلى الله عليه وآله اشتكى يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة فاشتكى ثلاث عشرة ليلة و توفي يوم الإثنين لليلتين مضتا من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة ثم روى أنه اشتكى يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة و توفي يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من ربيع الأول »اه« و عمره »ثلاث و ستون سنة«. بعث و عمره »أربعون« و أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة بعد الهجرة عشر سنين. و لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله كان أبو بكر بمنزله بالسنج خارج المدينة ، قال الطبري و ابن سعد و غيرهما فقال عمر: إن رسول الله ما مات و لكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع بعد أن قيل قد مات و الله ليرجعن رسول الله فليقطعن أيدي رجال و أرجلهم يزعمون أنه قد مات.و في رواية ابن سعد أن عمر دخل عليه هو و المغيرة بن شعبة فكشفا الثوب عن وجهه فقال عمر : ما أشد غشي رسول الله فقال المغيرة مات و الله رسول الله صلى الله عليه وآله فقال عمر كذبت ما مات -الحديث- و أقبل أبو بكر حين بلغه الخبر فدخل فرآه ثم خرج فقال أيها الناس من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات و من كان يعبد الله فإن الله حي لا يكوت ]يموت[ ثم تلا هذه الآية و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل -الآية- قال عمر فلما تلاها وقعت إلى الأرض و عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد مات. و قد سبق لعمر أن قال نظير ذلك في مرض رسول الله صلى الله عليه وآله حين طلب صلى الله عليه وآله الدواة و الصحيفة في حديث ابن سعد السابق. و المظنون أنه لم يكن ليخفى عليه موت النبي صلى الله عليه وآله و أن الذي دعاه إلى ذلك أمر سياسي في المقامين فأراد في المقام الأول صرف الناس عن أمر الصحيفة و في المقام الثاني صرفهم عن التكلم في أمر الخلافة و إشغالهم بشيء حتى يحضر أبو بكر و الله أعلم. و روى ابن سعد في الطبقات أنه غسل رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب و الفضل بن العباس و أسامة بن زيد -و في رواية- كان علي يغسله و الفضل و أسامة يحجبانه -و في رواية- علي يغسله و الفضل محتضنه و أسامة يختلف -و في رواية- قال علي أوصى النبي صلى الله عليه وآله أن لا يغسله أحد غيري فكان الفضل و أسامة يناولانني الماء من وراء الستر و هما معصوبا العين و في رواية غسله علي يدخل يده تحت القميص و الفضل يمسك الثوب عليه و على يد علي خرقة إلى غير ذلك من الروايات التي أوردها ابن سعد »قال المفيد« فلما أراد أمير المؤمنين عليه السلام غسل النبي صلى الله عليه وآله استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله بعد أن عصب عينيه فشق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ به إلى سرته و تولى غسله و تحنيطه و تكفينه و الفضل يعطيه الماء و يعينه عليه فلما فرغ من غسله و تجهيزه تقدم فصلى عليه وحده لم يشركه معه أحد في الصلاة عليه و كان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم في الصلاة عليه و أين يدفن فخرج إليهم أمير المؤمنين عليه السلام و قال لهم إن رسول الله إمامنا حيا و ميتا فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام و ينصرفون و إن الله لم يقبض نبيا في مكان إلا و قد ارتضاه لرمسه فيه و إني لدافنه في حجرته التي قبض فيها فسلم القوم لذلك و رضوا به. قال ابن هشام فصلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان ، و قال ابن عبد البر في الإستيعاب صلى عليه علي و العباس و بنو هاشم ثم خرجوا ثم دخل المهاجرون ثم الأنصار ثم الناس يصلون عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ثم النساء و الغلمان، و لما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح و كان يحفر لأهل مكة و يضرح -1- الضريح ما يشق في الأرض و يدفن الميت في وسطه و كان ذلك عادة أهل مكة و أنفذ إلى زيد بن سهيل و كان يحفر لأهل المدينة و يلحد -2- اللحد أن يحفر في الأرض إلى حيث ينتهي ثم يحفر إلى جهة القبلة بقدر ما يسع الميت فيوضع فيه ثم يسد بلبن أو غيره و يهال بعد ذلك التراب و اللحد أفضل من الشق. فاستدعاهما و قال اللهم خر لنبيك فوجد أبو طلحة زيد بن سهل فقيل له أحفر لرسول الله فحفر له لحدا و دخل أمير المؤمنين و العباس بن عبد المطلب و الفضل بن العباس و أسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله صلى الله عليه وآله فنادت الأنصار من وراء البيت يا علي إنا نذكرك الله و حقنا اليوم من رسول الله صلى الله عليه وآله أن يذهب ادخل منا رجلا يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال ليدخل أوس بن خولي و كان بدريا فاضلا من بني عوف من الخزرج فلما دخل قال له علي عليه السلام انزل القبر فنزل و وضع أمير المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله على يديه و دلاه في حفرته فلما حصل في الأرض قال له اخرج فخرج و نزل علي عليه السلام القبر فكشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله و وضع خده على الأرض موجها إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن و أهال عليه التراب و ربع قبره و جعل عليه لبنا و رفعه من الأرض قدر شبر »اه« و روي قدر شبر و أربع أصابع و ظاهر المفيد أن دفنه صلى الله عليه وآله كان في اليوم الذي توفي فيه و روى ابن هشام أنه صلى الله عليه وآله توفي يوم الإثنين و غسل يوم الثلاثاء و دفن ليلة الأربعاء ليلا و روى ابن سعد مثله إلا في الغسل يوم الثلاثاء و روى أيضا أنه توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس فلم يدفن حتى كانت العتمة و لم يله إلا أقاربه و في رواية أنه دفن ليلة الأربعاء في السحر و في رواية توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس و دفن يوم الثلاثاء حين زاغت الشمس و لعله موافق لما رواه أيضا أنه ترك بعد وفاته يوما و ليلة و يحمل عليه ما رواه ابن هشام أنه صلى الله عليه وآله توفي يوم الإثنين و دفن يوم الثلاثاء و روى أيضا أنه توفي يوم الإثنين حين زاغت الشمس و دفن يوم الأربعاء و هذا لا ينافي دفنه ليلة الأربعاء لأن اليوم يطلق على الليلة و بالعكس.