عالم الحبار الغامض
الحباريات .. هذه الكائنات الدقيقة والرقيقة التي وجدت فوق الأرض قبل الإنسان بملايين السنين حيث كانت بداية الحياة في الماء و ما زالت تعيش في ممالكها حتي الآن. فالمفترسون بعد ظهورهم في كل بحار الدنيا لم يمكنهم القضاء عليها. وهي من أكثر الكائنات تكاثرا في الماء. و الحبار مازال غامضا في مملكته رغم الأبحاث العلمية المضنية إلا أن كوامنه لم تعرف بعد وحتي الآن .فله سلوكه الإجتماعي الخاص به وجهازه العصبي معقد للغاية وفريد في تكوينه . وحياة الحبار مرهونة بتـزاوجه حيث يموت الذكر والأنثي بعد وضع البيض. لهذا يعيش ليتناسل . الرأسقدميات: ينتمي الحبار إلي فصيلة كبري يطلق عليها (الرأسقدميات) أي الكائنات التي تتكون من رؤوس وأقدام أي تقوم علي (رأس ورجل )كما يقال . وتضم الرخويات القوقعية والحبار والإخطبوطات . وتتميز برؤوسها الكبيرة نسبيا وأقدامها الطويلة. وتعتبر أمخاخها أكبر نسبيا من أمخاخ كل الحيوانات . ومعظم الرخويات محمية بأصداف أو تكون داخل تجويفات قواقعية وأكثرها لايتحرك في أماكنها . حتي الحبار له صدفة داخلية(عظمة غضروفية ) صغيرة يطلق عليها القلم أو عظمة الحبار .وتعتبر هيكلا داخليا ليقوي جسمه العاري . إلا أن الإخطبوط ليس له أي أصداف . والرأسقدميات من أقدم الكائنات الحية فوق الأرض وهي لا فقارية أي بلا عظام في ظهورها أسوة بالحشرات وقناديل البحر والديدان والسرطانات البحرية . فلقد ظهرت قبل الأسماك الأولية منذ 438مليون سنة .وقبل ظهور الثدييات الأولي والفقاريات . وحاليا يوجد 650 نوع منها بينما يوجد 30 ألف نوع من الأسماك العظمية (الفقارية). ومعظم الرأسقدميات لها أصداف وكل صدفة مقسمة لغرف .ويحتل بها الكائن الحي آخر غرفة نظهر . وله خيط رفيع يتكون من الأنسجة يمده ليتصل بأقدم غرفة . وتقع أذرعه الثمانية قرب الرأس حول الفم وهي تشبه القمع حيث يخرج منه الماء من تجويف داخل وشاحه .لهذا الاذرع ماصة . وحول فم الرأسقدميات توجد حلقة من اللوامس يتحسس من خلالها الحيوان طريقه ويكتشف بها طعامه وكل حيوان به إثنان من هذه اللوامس التي قممها أشبه بالملعقة وهي أطول من الأذرع وعندما تكتشف الفريسة تقبض عليها وتسلمها للأذرع القصيرة نسبيا ليمزقها الحيوان بفكيه. ومعظم هذه الكائنات بجلودها بقع لونية وهي عبارة عن خلايا ضعيفة مما يمكن الحيوان من تغيير لونه بسرعة هائلة . وبعضها به كيس فيه الحبر ويطلق علي مادته السيبيا . والحيوان يفرزها عندما يكون متأهبا أو متحفزا للخطر . فيطلق سحابتها ليصنع غمامة ليهرب من خلفها . وكل (الرأسقدميات) لها جهازها الدوري المحكم حيث يضخ به دم الكائن بواسطة ثلاث قلوب خيشومية . ودمها أزرق صاف . لأنه يتكون من مادة الهيموسيانين الذي به نحاس عكس الدم الأحمر في الفقاريات الذي يحتوي علي الهيموجلوبين والذي به الحديد. وأمخاخها كبيرة ومعقدة وتبدو في شكل حلقة يحيط بها الحلقوم وعيونها تشبه عيون الفقاريات ولها زوج خياشيم تتنفس بواسطة عمل العضلات بجدار جسم الحيوان . وبجلودها خلايا خاصة بها أصباغ ملونة يطلق عليها الحبر . لهذا هذه الكائنات تغير لونها بسرعة مذهلة عندما تواجه خطرا كما قد تلون الوسط المائي المحيط بها لتتخفي من أعدائها أو لتهرب منهم . وبعض الحباريات قد تصنع أشكالا تمويهية من الحبر نشبهها أو تلقي الضوء ليكون ظلالا لها للتمويه . فتطارد الفرائس هذه الأشباح بعيدا عن هذه الكائنات . ويوجد مئات من أنواع (الرأسقدميات) تتزاوج ثنائيا حيث يضع الذكر بذراعه كيسا يحمل السائل المنوي في قناة بتجويف بالأنثي . فيفتح الكيس ليلقح البيض.وتلقي الأنثي ببيضها الملقح إلي الأعشاب البحرية وهو فوقه أهداب لزجة . وبيض أحبار الأعماق يطفو. وهناك حبار ( لوليجو) له نظام تزاوجي معقد . حيث يقوم الذكور بالتحايل والإقتراب من الإناث التي تختار أزواجهن منهم ليقترن بهم. فالأم تختار زوجها لتخصب منه بيضها وليكون أبا لفقسها . وتختار فيه جيناته حسب عدة عوامل غير معروفة علميا حتي الآن . ويستعمل الحبار جسمه كلغة إشارة .ففي مياه كالفورنيا يجتمع المحار في الربيع للتـزاوج حسب طقوس معينة. فعندما يهم الذكر بالوطيء فإنه يطلق ضوءه . فلو إقتنعت الأنثي بطريقة أدائه وغزله تقترب برأسها من رأسه ويحتضنان بأذرعهما . ويقوم الذكر بوضع كيس الحيوانات المنوية بتجويف تحت فمها. وتقوم بحمل كيس بيضها بأذرعها وتفتح كيس الحيوانات المنوية لتلقح البيض .ويعتبر هذا لغزا حتي اليوم. وبعد التلقيح للبيض ينطلق في الماء . ثم ينفصل الذكر عن الأنثي بعيدا . وبعدها يموتان .وما يعيش منهما يكون نهما للدولفينات وأسماك القرش وأسود البحر . ثم ينطلق البيض في شكل عناقيد وبالملايين ويغلفه غلالة هلامية طعمها غي مستساغ للمفترسين الآخرين. ولما يفقس يسهل إلتهامه .والفقس يختلف عن بقية فقس الرخويات الأخري . لأنه لا يكون يرقات بل كائنات بالغة وتامة النمو . و هذه الكائنات الحية تختلف في أشكالها وأحجامها. فالأخطبوط القزم طوله 1-2 سنتيمتر. بينما الإخطبوط الباسفيكي العملاق عرضه 5 متر ولا يمكن مضاهاته. لأنه وحش حقيقي.كما يوجد حبار (أوسي) الإسترالي العملاق وهو من أكبر الحباريات في العالم ويصل وزنه أيضا إلي 5كيلوجرام . وكل عام يجتمع بالآلاف في مكان واحد للتزاوج في شهر يوليو من كل عام . وهذه الحيوانات تمتاز بسرعة حركتها وألوانها وذكائها وتعدد أشكالها حيث يوجد 500 نوع منها . كما يمكن إتصالها ببعضها ولها القدرة علي حل المشاكل التي تواجهها كما يمكنها التذكر . وهي تعمل وتتحرك وتتنفس بعضلاتها .
- الحبار المصاص :
ينساب الحبار المصاص (( Vampire squid في المياه بجسمه الهلامي وبزعانفه الكبيرة التي تشبه الأذن. لهذا فهو يشبه قناديل البحر . وهو أكبر الحباريات العادية ويتميز بعيونه الكبيرة وهي أكبر من عيون الأنواع الأخري من الحباريات رغم أن طوله يصل 6بوصة . وهي كروية وفي حجم عين الكلب وجسمه مغط بخلايا ضوئية. وهو لا يري في المياه المعتمة .لأنه يعيش علي عمق 300قدم وهو عكس معظم الحباريات لا يوجد به كيس الحبر وأذرعه مغطاة بأشواك حادة من بينها زوج قد تحور لخيوط تنكمش ويمكنه الإمتداد لضعف طول الحيوان ليمسك بها فرائسه . وعندما يشعر بالخطر يسحب أذرعه فوق جسمه ويغطيه لحمايته . ويستطيع العوم بسرعة هائلة تعادل سرعة ضعف طوله في الثانية . كما يمكنه المناورة والمراوغة من أعدائه . ويعيش في معظم مياه العالم ولاسيما بالمناطق الإستوائية والمعتدلة .
- حبار الجحيم:
نوع ثان من الحبار المصاص ويصل طوله لقدم ويعيش في المياه العميقة . وكان يعتبره العلماء خطأ إخطبوطا عندما كانوا يظنون أن له ثمانية أذرع . إلا أنهم إكتشفوا ذراعين آخرين رفيعين خارج شبكة الأذرع فوق جسمه . وله زوجان من الزعانف المتحركة ليجدف بهما في مياه بنما وجزر جالاباجوس الشهيرة . وأسطح هذه الأذرع تعكس الضوء رغم أن لون جسمه بني مخملي اللون . وهو صغير جدا وكان يعتبر إخطبوطا مرعبا لونه أسود كالليل , وله فكان بيضاوان وعيونه حمراء دموية اللون . ويمكنه العيش في المياه المعتمة لأنه مزود بسلسلة من البقع المضيئة فوق كل جسمه ويمكنها إطلاق الضوء وإطفائه . وفوق مؤخرة الرقبة توجد عناقيد مكثفة من البقع المضيئة و تحت الزعنفتين يوجد بقعتان مضيئتان لكل منهما جفن يغلقه ليطفيء ضوءه. كما له عضو مضيء حيوي فوق طرف كل ذراع. وهذا الحيوان لا يوجد به كيس الحبر . وهو ضعيف في العوم لأن عضلاته ضعيفة إلا أنه ينزلق بجسمه الهلامي الذي في حجم كرة القدم اللينة . و به جهاز توازن عبارة عن حويصلة لهذا يهبط في الماء ببطء . وعندما يسير يدفع شعيراته الماصة وملامسه للخارج ليتحسس طريقه ويصبح من كرة قدم لينة ليكون أشبه بثمرة الأناناس الشوكية والتي تبدو وكأن قمتها مضيئة . وأثناء المناورة يغطي عينه بغشاء رقيق بين ملامسه الحية إلا أنه يمكنه الرؤية من خلاله . نظرة شاملة: تختلف الحباريات حسب أنواعها سواء في شكل الجسم وبعضها لها زعانف أو مخالب أو خطاطيف فوق ممصاتها وبعضها لها أجهزة إضاءة فوق أجسامها . والحبار لا يعتبر من الثدييات ولا يستنشق الهواء ولا ينام ويظل يمتص الأكسجين من الماء الذي يضخ في تجويف داخل الجسم .فيمتص الأكسجين بواسطة الخياشيم . فالحبار يعيش كما يعيش إبن عمه الإخطبوط في الظلام . وهو آكل لحوم ويعيش علي قناديل البحر والديدان . وبعض الحبار له غدد سامة تفرز سموما عصبية قوية تشل بها الفريسة لتمسك بها وتتلقفها إلي الحلقوم ثم للمعدة فالأمعاء لتهضم وتلقي الفضلات من فتحة الشرج في قمع لتخرج مع ما ينفث من ماء . والحبار يسير بطريقة الدفع فيدخل الماء الجسم ثم تغلق الفتحة. ثم بواسطة العضلات يدفع خارج الجسم بشدة من القمع الموجه والمرن ويمكن للحيوان توجيه فتحته ليسير بنفث الماء ليسيرفي كل إتجاه أو يناور . كما أن الماء يدخل من الخياشيم ليستنشق الحيوان بواسطتها الأكسجين الذائب فيه . وهذا الدفع المائي النفاث يجعل الحبار يسير بسرعة 20 عقدة في الساعة ولمسافة قصيرة . ودم الحبار لأن به هيموسيانين فهو أكثر سيولة من الهيموجلوبين بدم الإنسان ليسهل ضخه . ويوجد بالمحار ثلاثة قلوب . قلبان يضخان الدم بالخيشومين ليعود للقلب الثالث وليضخ في بقية الجسم . . والخلايا المضيئة أو الملونة نجمية الشكل وجدرانها مرنة وتتحكم فيها العضلات والأعصاب . فتتقلص أو تتمدد وتغير لونها بسرعة فائقة .. والتغير اللوني بسرعةعادة .. ليصبح الحيوان كائنا شبحا وسط بيئته . فيغمق لونه في المياه المعتمة ويفتح لونه في المياه الشفافة أو الرائقة . ولو كان في مواجهة مع عدو . فلو نأخر تغيير لونه جزءا من الثانية ..فهذا معناه موته لأن بين الهروب أو الموت لحظات . لهذا جهازه العصبي يفوق جهاز مفترسيه . ومازال العلماء يدرسون جهازه العصبي الفائق السرعة والتعقيد طوال الستين عاما الماضية.
وعيون الحبار تشبه عيون الإنسان . فلديه شبكية بها عصيات وأقماع بصرية يستطيع الرؤية بها وتمييز الألوان . والعين لها جفن وحدقة ويمكن لكل عين التركيز بمفردها والرؤية ضعف العين البشرية. وكل عين تتصل بالمخ بعصب بصري لتصنيف المعلومات التي تراها . هذه الرؤية الثاقبة تمكن الحبار من المناورة والسير . ومن إعجاز الجهاز البصري للحبار إتصاله بأكياس التوازن الذي به أجسام كلسية (جيرية) تجعل الحيوان في توازن مع حقل الجاذبية الأرضية في قيعان البحار . فيوجد كيسان مدفونان في المخ ليحققا حركة التوازن التي يكتسبها الحيوان في جزء من الثانية .
- سيبيا أباما:
هذا النوع من الحبار ينجذب للألوان الساطعة . فنراه ينجذب لبدل الغواصين ذات الألوان الحمراء الفاقعة والخضراء المبللة .ولديه فضول غريب فيمكن الإمساك بالشخص أو يتبعه في الماء .ولا يبتعد عنه بسهولة . ويغير ألوانه التي تشبه نور لمبات الفلورسنت . وهذه الأنوار علامات مضيئة تبين حالته من الغضب أو الخوف أو حتي الإثارة الجنسية.
وهذا الحبار قد إكتشف في مياه سواحل جنوب إستراليا وقد يصل طوله 4قدم . ويعتبر من أكبر أنواع الحبار . ومخه كبير لهذا يتميز بالذكاء. وهذا النوع ككل الحباريات له أذرع عشرة تنمو من رأسه وله ذراعان أطول يستخدمها كلوامس حسية. وعندما يسرع الحبار في السباحة فإن هذه الأذرع تكون مستوية ومفرودة لتنزلق مع الماء . ويستخدم زعانف أشبه بالدثار لحفظ التوازن في الماء . أو ترخيها لتلوح بها ولتشبه أعشاب البحر في حالة الخطر . ويمكنه عض السباحون بمنقاره المعقوف . ووسط الصخور يتلون بظلال ألوانها مما يصعب تمييزه عنها من خلال ألوانه الحية التي يفرزها من أكياس الصبغة بجلده .وهي من اللون الأصفر والبني والأسود. فتتمدد الخلايا الملونة لتزود الجلد باللون المناسب وظلاله. ومن خلال إنبساط ونمدد خلاياه اللونية يمكن للحبار التلون بخطوط لونية ليكون أشبه بالحمار الوحشي . وقد يماثل بلونه الأصفر الرمل . ولو صادفه إخطبوط .فإنه يمسك به تحت ذراعيه ويقطعه إربا يلتهمها بمنقاره المعقوف والحاد . ويثقب الأصداف ليلتهم بلسانه المادة الرخوة بداخلها . وبهذه الطريقة يأكل الجمبري والروبان. إلا أنه يظل فريسة لأسماك القرش والدولفينات . . ويري بعينيه كما يري الإنسان . وأثناء التزاوج تتنافس الذكور بإستطالة أجسامها لأطول قدر ممكن للتحدي والسيطرة. وقد يتخذ الذكر ساترا قرب عرين الأنثي . وليبدو أمامها مهيب الطلعة . وقد تتم مبارزة بين الذكر المختار وأحد المتطفلين . فيطلق أنواره وينـزلقان معا لمدة 3 –4 دقائق . فيفر المتحدي مخدوعا . لكن يمكن لحبار صغير جريء في حركة إستعراضية إخافة حيوان أكبر منه قابع في عرينه . وليست كل المواجهات حميدة . فقد يفقد الذكر ذراعه إلا أن الرأسقدميات بصفة عامة لها قدرة علي إستعواض أذرعها لو بترت . وبعد كل هذا تخرج الأنثي من الظلام بحثا عن مكان تضع فيه بيضها. فيجذبها الذكر إلي عرينه ويتم التزاوج بينهما بسرعة . وتضع الأنثي بيضها في الكهوف ليتعلق بجدرانها ليشبه المتدليات الجيرية بها . وبعد أربعة شهور يفقس البيض وتخرج المحارات حرة لتعوم وتبدو عظمة المحار (القلم) كبقعة غامقة فوق دثارها ومبطنة بغرف بها غازات لتساعدها علي الطفو المتعادل بلا وزن . وتقوم بالاختفاء تحت الصخور أو في وسائد النباتات المائية . فالمحار له تاريخه مع الإنسان . فقد دارت حوله الأساطير والفصص الفلكلورية . لكن مازال في جعبته أشياء لم يهتد العلماء إليها أو يفسروها حتي اليوم . فمتي يفصح عن مكنوناتها وغوامضها ؟. لكن كيف الوصول إليها في بيئاتها ؟.