لا يبنيتز
كان لايبنيتز المتوفى عام 1716 اقل اخلاصا للديكارتية التي حولها إلى تعددية مثالية : فكل كائن - بالنسبة إليه - وحدة روحية خالصة أو مونادة " تترجم إلى آحاد أو ذرة روحية" وهي مجموعة من الإدراكات الحسية التي يشوبها بعض الإبهام ( هذا الإبهام هو الغموض النسبي في الإدراكات الحسية لذرتنا الروحية وهو ما يبدو لنا على انه "المادة" ) والتي تعكس بصورة شبه شاملة كل الإدراكات الحسية الأخرى , وهذه المجموعة ذات ميل داخلي تلقائي لجعل النظرة إلى العالم المتشكلة منها تزداد وضوحا إستمرار . وعلى هذا فإن طريق الكمال الأخلاقي والعقلاني هو : تاييد هذا الإنتقال إلى ادراكات حسية أشد تميزا لأن كل "آحاد أو ذرة روحية" حين تزداد معرفة بنفسها فإنها إنما تكتشف بجلاء اكبر تماثلها مع الذرات الأخرى والروابط التي تشدها إليها والمخطط العام للكون ( كون الذرات الروحية ) . ونلتقي هنا بالصعوبة التي صادفناها لدى "سبينوزا" ذلك أن هذا المخطط قد أُريد من قبل الإله , الذى هو الذرة "الآحاد" العليا اللامتناهية وكاملة الوضوح وبالتالي الخَيِرة بشكل كامل ... وهي التي نظمت في اصل العالم التطور المستقبل لجميع الذرات الروحية . فكيف نفسر إذن نقائص الكون ؟ ( كخطيئة آدم على سبيل المثال) الذى كان لايبنيتز يرغب من خلال ميله الكبير إلى التوفيق اشتماله في فلسفته . وكيف نفسر بصورة اعم مفهوم "الحرية الإنسانية" ؟ واجاب لايبنيتز على هذا التساؤل بنظريته المتفائلة ( احسن عالم ممكن ) قائلا :كان لدى الله الإمكانية المنطقية لو شاء خلق عدد لا متناه من العوالم المختلفة , وعلى هذا فإن "الآحاد" حر من حيث انه كان يستطيع أن يصبح منظم بصورة اخرى .. ومن ناحية اخرى فقد اختار الله العالم الذى يجمع بين الحد الأقصى من الكمالات , مما كان لابد معه أن يتضمن (بصورة رياضية) بعض التفاصيل التي تعتبرها "احاداتنا" المتناهية والناقصة "سيئة" ومثال ذلك خطيئة آدم التي اصبحت في الواقع المنبع اللاحق لذلك "الجمال" المتمثل بفداء المسيح ( حسب وجهة النظر المسيحية) . وبالنتيجة فإن الكون الذى أُسبِغت الشرعية - بهذه الصورة - على كل جوانبه هو إذن "مجتمع مع الله" و يجب فيه على كل فرد في الواقع العملي أن يكرس جميع افعاله لأجل توضيح "جميع الذرات الروحية" بما فيها ذراته ( عمل لايبنيتز نفسه على تحقيق ذلك عن طريق فعاليته "الهادفة للكلية" والمتعددة الأشكال) . وسبيله إلى ذلك القضاء على الأهواء المضللة وتوحيد النفوس وادخال اقصى حد من العقلانية في كل مكان فتلك جميعا اشكال من محبة الله والإنسجام الذى خلقه وعبادتهما .