نقاش:تاريخ فلسطين

أضف موضوعًا
من كتب

== حقيقة الدعم الأمريكي والأوروبي للكيان الصهيوني يظن كثيرون أن فكرة استيطان اليهود في أرض فلسطين تعود إلى وعد بلفور عام 1917 . ومع أن الرسالة التي وجهها اللورد الى الثري اليهودي روتشيلد في 2 نوفمبر من ذلك العام كانت أول وثيقة حكومية تؤكد لليهود دعم الامبراطورية البريطانية في استعمار فلسطين، إلا ان المخطط نفسه لم يكن وليد ساعته، وأن مشروع استيطان فلسطين من قبل اليهود يعود إلى ثلاثة قرون مضت، حين ظهر في لندن أول كتاب عن هذا الموضوع عام 1621. إن عنوان الكتاب الذي ظهر عام 1621 هو: "الاحياء العظيم للعالم " أو "دعوة اليهود"، بقلم هنري فنش (1558- 625 ا م). ولقد افتتح فنش كتابه باهداء: " إلى أبناء يعقوب المشتتين في أقاصي الأرض . أكتب لكم هذا حيثما تكونون. إنها بريق من جوهرة. عن عودتكم واستجدادكم في مملكة عظيمة " بعد هذا انتقل فنش الى تحليل دقيق للنبوءات اليهودية التي كتبت في القرن السادس ق . م ، والتي وصفت لليهود استيطانهم القدس وفلسطين . فقد كان اليهود قد سبوا من أرض فلسطين الى الامبراطورية البابلية عام 586 ق م ، من قبل الامبراطور نبوخذ نصر. وخلال فترة السبي تلك ، ظهر في تاريخهم عدد من الانبياء الذين وعدوا اليهود أن إلههم " يهوة " سيعيدهم إلى أرض فلسطين. وقد تمت العودة عام 537 ق م على يد الامبراطور قورش الفارسي الذي عطف عليهم . ولا يزال اليهود حتى يومنا هذا يحتفلون كل عام بعيد عودتهم ، ويذكرون صداقة الفرس لهم . أراد فنش أن يطبق هذه النبوءات على زمنه وحاضره. ومع أن هذه النبوءات تخص يهود القرن السادس ق م. فقد أصر فنش أن يطبقها على يهود القرن السابع عشر. ومع أنه لم يكن يهوديا، ولم يعرف يهودا، إذ أن إنجلترا كانت قد طردت اليهود من المملكة في القرن الثالث عشر (م) إلا أنه أراد لليهود استيطان فلسطين. إن السبب الرئيسي الذي دفعه في ذلك الزمان البعيد لدعوة اليهود لاستعمار فلسطين هو محاولة بريطانيا ايجاد قوم في وسط العالم العربي والاسلامي ليساعدوها على السيطرة والاستعمار . ذلك أنه إذا نظرنا إلى القرن السادس عشر وبداية السابع عشر نجد أن بريطانيا كانت تقف مرتعبة أمام القوة العثمانية الاسلامية. فالقرن السادس عشر شهد أعظم انتصارات العثمانيين ، ووصول جيوشهم الى حدود النمسا، وسيطرتهم على جميع جزر البحر المتوسط. أمام هذه القوة العسكرية والدينية وجدت بريطانيا نفسها تتساءل عن كيفية مواجهة الخطر العثماني، ذلك أن المحاولات الأوربية كانت قد باءت بالفشل. رأى فنش الخطر العثماني أمامه وقدر أن بلده لن تستطيع الدفاع عن نفسها. فبدأ بقراءة النبوءات اليهودية باحثا عن مخرج لهذا المأزق الدولي، وعن وسيلة لإزالة الخطر العثماني. وما كان إلا أن وجد نبوءات العودة الى فلسطين فقال: إن فلسطين اليوم لا يسكنها يهود ، بل عرب واتراك، مسلمون ومسيحيون . لذا، فإن اليهود حسب نبوءاتهم، لامحالة عائدون بمساعدة إلههم " يهوة " وإذا عادوا، فإنهم لامحالة سيحاربون الاتراك في المشرق وينتصرون عليهم. لذا، إذا استوطن اليهود فلسطين، فذلك سيكون بعد التغلب على العثمانيين وإزالتهم من الوجود، أي بعد انهاء الخطر العثماني والاسلامي. وعندها سيكون هناك شعب يهودي في فلسطين ولا يكون خطرا على أوروبا بل سيؤازر بريطانيا، لأن بريطانيا ستكون الامبراطورية التي ستساعد اليهود على هذا الاستيطان. وكتب شعرا:

" سيسيطر الطغيان التركي مدة 350 سنة. سيعودون (اليهود) الى أرضهم.

سينضب نهر الفرات أمامهم ليجعل طريقهم سالكة، مثلما فتح أمامهم قبلا البحر الاحمر. سترعب أخبار تقدمهم القوى التركية. سيحدث اقتتال عظيم بينهم وبين الأتراك . وسيكون هذا الاقتتال في أرضهم ، أرض يهودا. وسينالون انتصاراً نبيلا. وسيتلقى العثمانيون ضربة موجعة قرب مدينة القدس. وسيكون انتصار اليهود الكبير على الجيش التركي. قرب بحيرة طبرية. وسيسكنون بعد ذلك في بلادهم. " من الغريب أن فنش استعمل دائما كلمة " بلادهم " عن فلسطين، كأن فلسطين لم تكن في القرن السابع عشر بلاد العرب الذين سكنوها لاجيال واجيال ، بل بلاد اليهود . ولكن فنش أصر على استيطان اليهود ، وعلى استيطان حقيقي وبكل معنى الكلمة ، وأضاف، " سيأتون قريبا الى القدس، وسيصبحون ملوك ورؤساء العالم ، ويحكمون الجميع ". " إن أرض فلسطين ستثمر بعد الاحتلال اليهودي، وسيكثر فيها اليهود، وستحل فيها السعادة والرخاء، وستصل حدودها إلى أكثر ما كانت عليه من قبل، وستخضع جميع الشعوب المجاورة للمملكة اليهودية، وأما الرافضون فسيقضى عليهم، وسيبدأ زمن جديد في التاريخ البشري. وبهذا يزول الخطر التركي عن بريطانيا ويحل محله حليف الى الابد " . قلة من المتصدرين للعمل العربى العام وخصوصا العمل الفكري منه يعرفون أن أول من رفع الشعار القائل عن فلسطين " إنها ارض بلا شعب.. لشعب بلا أرض " هم قيادات مسيحية أصولية أوروبية وأمريكية، وكان ذلك قبل بلوغ هيرتزل نفسه سن الرشد . وأن أول جماعة ضغط ( لوبى) صهيونية بهدف دعم اقامة دولة لليهود في فلسطين قد أسسها كنسيون أصوليون فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1887، بزعامة القس (وليام بلاكستون)، حينما أنشأ في شيكاغو منظمة أسماها (البعثة العبرية بالنيابة عن اسرائيل)، ودعا لأول مؤتمر دولى لمناقشة (أوضاع الاسرائيليين ومطالبهم فى فلسطين كوطن تاريخى لهم). وقدم لهيرتزل نسخة من (العهد القديم) واضعا خطوطا وعلامات تحت النصوص التى تشير الى استعادة فلسطين ، ولقد حفظت هذه النسخة فى ضريح هيرتزل بالقدس . لقد أستمدت الصهيونية مقوماتها منذ نشوئها حتى الآن من مصادر متنوعة يهودية وغير يهودية، وجمعت بين بواعث عديدة: سياسية، واستراتيجية، وعنصرية ، واستعمارية، ودينية- …الخ . ولقد كتب الكثير حول هذه المقومات والبواعث، لكن ميدانا هاما من الصهيونية ظل غائبا ومجهولا ، ألا وهو دور فكر ومؤسسات الأصولية المسيحية (أو ما تسميها بعض المدارس الكنسية الأمريكية بالصهيونية المسيحية ) في فتح الطريق وتمهيد الجو النفسى والفكرى الملائمين لولادة الحركة الصهيونية ، ودعمها فى تنفيذ مثسروعها وحمايته ، ودعم تحقيقه وتوسيعه وهيمنته ، بالاضافة الى تعميق النزعة المتحيزة " لاسرائيل " لدى بعض شعوب أوروبا وأمريكا ، التى تجاوزت المسائل السياسية والاستراتيجية ، لتصبح " التزاما اخلاقيا وروحيا وثقافيا ". والتى تدفع بالعقل الثقافى الشعبى وأحيانا الرسمى- وخصوصا فى الساحة الامريكية - لأن يتحدث عن " اسرائيل " المعاصرة ، على انها "إسرائيل " العهد القديم وبعبارات دينية سياسية ، وان يؤمن بتشابه تجربة مطاردة مهاجري الغرب لهنود امريكا الحمر ، مع تجربة مطاردة اليهود للكنعانيين في الماضي وللفلسطينيين في الحاضر، لتصبح هاتان التجربتان فلسفة وقناعة أمريكية- إسرائيلية مشتركة. وأن يعتبر المستوطنات الاسرائيلية فى الأراضي العربية المحتلة " ليست غير شرعية " . فالاستيطان تجربة مشتركة أنتجت وجدانا أمريكيا اسرائيليا واحدا . ولم يكن (كينين) أحد أبرز القيادات الصهيونية اليهودية الأمريكية المعاصرة مبالغا حينما كتب فى كتابه (خط الدفاع الاسرائيلى) يقول:- كانت الصهيونية أنشودة مسيحية قبل أن تصبح حركة سياسية يهودية "، وقد استمرت هذه الأنشودة الأصولية المسيحية طوال القرون الثلاثة الماضية، وتجسدت بأشكال مختلفة، كان من أبرزها مرحلة " تهويد " المسيحية البروتستانتية فى أوروبا، حيث فسر الأصلاحيون الحرفيون مسألة ذهاب اليهود الى فلسطين بعد النفى، الواردة فى التعاليم الأولى للكنيسة، على أنها " عودة اليهود كأمة الى أرض فلسطين من أجل التحضير " للعودة الثانية للمسيح ". كما ساعد كثيرا في منتصف القرن السابع عشر، وخصوصا فى عهد كرومويل، الاتجاه العام الذى ساد فيه المذهب البيوريتاني والمتعلق بفكرة "اعادة فلسطين لأسلافها العبرانيين " وذهب البعض الى اعتبار أن " العبرية " هى اللغة الملائمة للصلاة في الكنائس ولقراءة الكتاب المقدس . وفى مطلع القرن التاسع عشر ظهرت مجموعات كنسية أوروبية ، تنادى " بضرورة استعادة اليهود للأرض المقدسة " وأن اليهود هم " مفتاح الخطة الالهية للعودة الثانية للمسيح المنقذ . وخلقت الصلوات والمواعظ والمؤلفات جوأ نفسيا ملائما فى أوروبا، لولادة الصهيونية السياسية فى أواخر القرن التاسع عشر. وقد كان ، التأثير الفكرى والدينى وخصوصا عقيدة " الحركة البروتستانتية المؤمنة بعودة المسيح " كبيرا على مستقبل الموقف البريطاني السياسى نحو الصهيونية، واقامة دولة اليهود فى فلسطين، حتى أن بلفور صاحب الوعد المشئوم ، وبرغم اعجابه وقناعته السياسية باقامة دولة لليهود فى فلسطين، فإن أطروحات " شعب الله المختار "، و " حقه فى أرض الميعاد " و " تحقيق النبوءة التوراتية بتجميع اليهود فى دولة اسرائيل بفلسطين " كانت من أبرز معتقداته التى ورثها في طفولته ، وتربى ونشأ عليها في إحدى الكنائس الانجيلية السكوتلاندية ويقول عنه (بيتر جرونز) فى كتابه: (اسرائيل فى العقل الأمريكي ) : " لقد كان بلفور أكثر فهما من هيرتزل لطموحات الصهيونية " وتقول عنه ابنة أخته ومؤرخة حياته (بلانش دوغديل): " لقد تأثر منذ نعومة أظفاره بدراسة التوراة فى الكنائس ". ولقد انتقلت الدعوة الصهيونية المسيحية من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وأسس العديد من الحركات والمؤتمرات التي أصدرت الكتب والمطبوعات التى تنشر الدعاوى الصهيونية، وتركز على " عودة اليهود الى فلسطين ". ويبدو أن روح الصهيونية المسيحية فى أمريكا قد سبقت هذه الدعوات، فهى موجودة منذ بدايات تأسيس الدولة الأمريكية، فقد كانت المواعظ خلال الحرب الأهلية تشبه أمريكا " بالشعب اليهودى الذى يسعى لدخول الأرض الموعودة". كما أن بعض المبشرين البروتستانت أعلنوا فى ذلك الوقت " أن الله اختار الشعب الأمريكى كشعب مختار لقيادة العالم وتحضيره " ومن خلال هذه التعبيرات تبدو " العبرنة " واضحة ، إلى الدرجة التى أدت بأن يقوم الرئيس جيفرسون باقتراح " أن يمثل رمز الولايات المتحدة الأمريكية على شكل " أبناء اسرائيل " تقودهم فى النهار غيمة، وفى الليل عمود من النار.... بدلا من النسر ". وهذه الغيمة هى السحاب الأبيض الذى ظلل الله به قوم موسى فى التيه، ليقيهم حرالشمس كما أن الشكل الذي اقترحه الرئيس الأمريكى رمزا لأمريكا يتفق والنص الوارد فى سفر الخروج الذى يقول: " وكان الرب يسير أمامهم نهارا، فى عمود سحاب ليهديهم فى الطريق، وليلا فى عمود نار ليضىء لهم ". وكان الرئيس ولسون مثالا لهذه الصهيونية المسيحية منذ طفولته، فقد نشأ وترعرع فى بيئة كنسية، فجدّاه كانا من رجال الكنيسة الانجيلية المسيحية ، ورأى نفسه- من خلال خطبه العديدة- " بأنه قد أعطى الفرصة التاريخية لخدمة رغبات الله بتحقيقه للبرنامج الصهيوني!. وكان التزامه بالصهيونية ودعمه لوعد بلفور عميقا جدا. وبرزت فى النصف الأول من القرن العشرين العديد من المنظمات الصهيونية المسيحية. وقد كان لها دور كبير فى السياسة الخارجية الأمريكية، وخصوصا فيما يتعلق بقضية فلسطين، واقامة دولة لليهود فيها. ففلسطين عند التيار الأصولى المسيحى وخصوصا التيار الرئيسى البروتستانتى الأمريكى، الذى يصل تعداده اليوم لأكثر من 75 مليون نسمة هى "الأرض المقدسة التى كانت مسرحا لأحداث العهد القديم "... " وان إنشاء " اسرائيل " واستعادة اليهود للقدس هما اشارتان رئيسيتان لتحقيق النبوءة بنهاية الأزمنة ، وبرهانا على صلاحية وصحة التوراة "... ومع مطلع السبعينيات، واستخدام الكنيسة ومنظماتها الأصولية لوسائل الاعلام الحديثة وخصوصا الاذاعة المسموعة والتلفزة والكمبيوتر والنشرة والمنبر سجلت ولادة جديدة لحركتها، ووصلت الى أن يكون عام 1976 هو عامها، كما أطلقت عليه مجلة (التايم) بادئة مرحلة نشطة منظمة ومؤثرة فى الحياة السياسية الأمريكية. وقد أثر فى تطوير وتنامي حركة الصهيونية المسيحية صعود مناحم بيغن الى السلطة فى " اسرائيل "، وحرصه باستمرار على استخدام التعابير التوراتية فى حركته السياسية، ونجاحه فى اقامة علاقات شخصية عميقة مع قيادات الحلف المسيحى الأصولى فى أمريكا، وتحول هذا التيار الصهيوني المسيحي فى الثمانينيات ليصبح أبرز وأسرع القوى الصاعدة المتنامية فى الحياة السياسية الامريكية فى القرن العشرين، طارحا شعاره بأن " الوقوف ضد " اسرائيل " هو وقوف ضد الرب " وبمختلف وسائل التأثير على الرأى العام وصنع القرار وبقوة، وبمقدمات فاشية خطرة ساعية لأن تكون " تيار المستقبل " الحاكم فى الولايات المتحدة. وتعتبر منظمة (السفارة المسيحية الدولية) من أكثر التنظيمات والقوى الصهيونية المسيحية المعاصرة انتشارا ونفوذا فى الساحة الدولية. وقد ولدت هذه المنظمة فى نهاية سبتمبر 1980، حينما اجتمع أكثر من ألف رجل دين مسيحى، جاءوا من أكثر من 23 دولة، فى مؤتمر بمدينة القدس المحتلة ، تعبيرا عن الدور المركزى لهذه المدينة المقدسة ، في فكر وحركة الصهيونية المسيحية المعاصرة. وقد جاء تأسيسها اثر رفض المجتمع الدولى لقرار الحكومة الاسرائيلية اعتبار القدس " عاصمة موحدة أبدية لاسرائيل " وكرد فعل على قبام عدد من دول العالم بنقل سفاراتها من القدس الى تل أبيب. وافتتحت مكاتبها فى القسم الغربى من القدس بحضور عمدة المدينة وكبار قادة الكيان الصهيوني. وفى الوقت نفسه أعلنت عن افتتاح (قنصليات) لها فى أكثر من 37 دولة فى أوروبا واسيا وافريقيا وكندا واستراليا، وأخذ يدير هذه المكاتب رجال دين مسيحيون متعصبون للصهيونية ، وممن يحملون مشاعر العداء تجاه المسلمين والعرب بشكل عام والفلسطينيين بشكل خاص . وقد اتخذت السفارة ولاية كارولينا الشمالية مقرا لها، وافتتحت فروعا لها فى عدد كبيرمن المدن الأمريكية الرئيسية ، وتقوم هذه المراكز بجمع التبرعات لإسرائيل، وعقد المؤتمرات وتسيير المظاهرات وحشدها، وبيع المنتجات الاسرائيلية، وتنظيم الرحلات السياحية اليها، وممارسة الضغوط السياسية على صانعى القرار فى دول العالم لصالح " اسرائيل " ، ويؤمن أعضاء وأنصار هذه السفارة بأن " الله قد وهب أرض فلسطين لابراهيم وأبنائه من بعده، كما يعارضون بشدة فكرة ممارسة الضغوط على " اسرائيل " للانسحاب من الأراضى العربية المحتلة، ويؤمنون بأنه ( على " اسرائيل " أن تمتد من نهر الفرات الى النيل ) . ويقول زعيم هذه المنظمة وهو رجل دين هولندى ان اسرائيل " بحاجة الى الضفة الغربية وغزة لتوفيرأماكن ليهود الاتحاد. الاتحاد السوفيتى للاستيطان فيها ". وقد حددت هذه المنظمة- السفارة أهدافها فى منشور أصدرته لهذه الغرض فى عام 1980 على الشكل التالى: ا- الاهتمام البالغ بالشعب اليهودى ودولة " اسرائيل ". 2- تذكير وتشجيع المسيحيين والكنائس للصلاة، من أجل القدس وأرض " اسرائيل، وتحريضهم لممارسة التأثير فى بلادهم لصالح " اسرائيل " . 3- انشاء مشروعات اقتصادية واجتماعية فى" اسرائيل " . وقد اختصر زعيم هذه السفارة أهداف منظمته بقوله " اننا صهاينة أكثر من الاسرائيليين أنفسهم ". ويدير الآن عددا من المشروعات والبرامج فى " اسرائيل " والخارج، وتصل موازنة منظمته الى أكثر من مائة مليون دولار، وملايين من الأتباع، وعشرات الآلاف من الأعضاء فى جميع أنحاء العالم ، وقد نظمت هذه السفارة على مدى الأعوام الماضية مهرجانات ومسيرات حاشدة فى شوارع القدس ، احتفالا بتأسيس " اسرائيل "، وبالأعياد الدينية الاسرائيلية مثل (عيد العريش) الذى يعتبره اليهود عيدا للحصاد. ونجحت السفارة بحشد الآلاف من رجال الدين المسيحيين للمشاركة فى هذه المهرجانات سنوياً . ويحرص قادة الكيان الصهيوني على حضور هذه الاحتفالات ودعم تنظيمها وتشجيعها. وتستخدم السفارة شبكة واسعة من أجهزة الاعلام لنشر أهدافها وتثقيف أتباعها فى كيفية خدمة القضايا الاسرائيلية . فهى تصدر مجلة أخبارية ربع سنوية اسمها (المراجعة) بالاضافة الى عشرات من الأوراق والنشرات والبيانات الدورية ، وانتجت فيلما صهيونيا، وشكلت لجانا للعمل السياسى، ونظمت حملات مستمرة من الرسائل البريدية الى صانعى القرار فى عدد من دول العالم ، وصارت تدعى لجلسات الاستماع فى الكونجرس الأمريكى، وفى نفس الوقت رتبت حملات لجمع الدم دعما لجنود " اسرائيل " أثناء غزو لبنان عام 1982، وأنشأت فرقة للغناء أسمتها (فرقة أغاني صهيون) وجمعت المساعدات المالية، وشجعت بيع السندات الاسرائيلية داخل الكنائس الأمريكية. من هنا نستنتج أن وحشية الكيان الصهيوني اليوم في الهجمة الشرسة على شعبنا العربي في فلسطين ومحاولات إقامة الهيكل المزعوم في القدس الشريف هي الحلقة الأخيرة من المخطط الصهيوني اليهودي وغير اليهودي وما إرتفاع بعض الأصوات المأجورة في لبنان اليوم لإنهاء الوجود العربي السوري على الأرض العربية اللبنانية - في الوقت الذي يطلق فيه الكيان الصيوني تهديداته لشن الحرب على الشعب العربي في سوريا ولبنان - ليس إلا جزءاً من المؤامرة لفتح الطريق لتصفية الشعب العربي الفلسطيني ولإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل . لقد ارتفع العلم الصهيوني عالياً في سماء القاهرة نتيجة اتفاقات كامب دافيد المذلة وبذلك حقق الكيان الصيوني جزءاً من حلمه في إقامة إسرائيل الكبرى ولم يبق إلا تحقيق الجزء الآخر وهو تصفية الشعب العربي الفلسطيني في الداخل وفي الخارج والوصول حرباً إلى الفرات وتحطيم الصمود العربي السوري وتحالفه الاستراتيجى مع المقاومة الإسلامية في لبنان . من هنا يجب أن يفهم كل دعاة الحلول الإستسلامية أن صراعنا مع العدو الصهيوني ليس صراع حدود وإنما صراع وجود مع الصهيونية العالمية يهودية كانت أم غير يهودية .

 *** ==

عبد الناصر وفلسطين[عدل المصدر]

رؤية عبد الناصر لقضية فلسطين

                            بقلم الأخ أبو خالد العملة 
                      أمين السر المساعد للجنة المركزية 
                  لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " 



- ثورة يوليو شكلت الأساس الموضوعي لبناء المشروع الوحدوي التحرري - نضال الشعب الفلسطيني يأتي كطليعة في معركة التحرير - ثورة يوليو : تمسكت دوماً بنهج المواجهة والتحرير - مصر وسورية والعراق تحملت مسؤولية احتواء المشروع الامبريالي - الصهيوني - سورية شكلت حاضنة ولادة الثورة الفلسطينية




وسط هذا الواقع الوطني والقومي المؤلم ، وسط التشويه المتعمد لعقل وفكر المواطن العربي ومحاولة زرع ثقافة اليأس في نفسه عبر ما يطرح من مشاريع تسووية ما أحوجنا اليوم وبمناسبة ثورة 23 يوليو 1952 ، التي تحتفل هذه الأيام امتنا العربية بإحياء ذكراها الخامسة والأربعين إلى استلهام التجربة الناصرية الرائدة ، باعتبارها تجربة النهوض التحرري القومي لأمتنا العربية ، وإلى تأصيل الفكر القومي في مواجهة من يستغل إسم الناصرية من أجل التشوية والتضليل وإبعاد ثورة 23 يوليو عن قيمتها الثورية والتقدمية . إن أهمية الاستحضار والاستلهام لهذه التجربة الرائدة التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر ، تأتي لكونها شكلّت العنوان الأساسي والأكثر أهمية الذي تتحدد تحته أسباب وأشكال وأساليب نهوض وتحرر ووحدة أمتنا في القرن العشرين ، وخاصة في ظل هذه الظروف التي تتعرض لها منطقتنا لهجوم امبريالي - صهيوني شامل ، ولغزو فكري وثقافي يستهدفان شل الإرادة العربية ، ومحو الهوية القومية ، والثقافة العربية ، وتشويه تاريخنا ، وتجاربنا وتكريس الهزيمة والاحباط في نفوسنا . ان الصراع الدائر اليوم بين أمتنا من جهة وبين أعدائها من امبرياليين وصهاينة ورجعيين عرب يحتاج إلى المعرفة الكاملة بأبعاد ودلالات ثورة يوليو وموقفها من موضوع الصراع العربي - الصهيوني ، حيث أعطى الزعيم القومي الخالد جمال عبد الناصر لهذا الصراع بعده السياسي والفكري والحضاري ، سواء في فهمه لمركزية القضية الفلسطينية في صنع المستقبل العربي ، أو في تحمل الناصرية وثورة يوليو عبء المواجهة مع العدو الصهيوني الامبريالي ، مؤكدة بالسلوك السياسي النضالي اليومي اقتران النظرية بالتطبيق ، والقول بالعمل . لقد استخلص جمال عبد الناصر في " فلسفة الثورة " سنة 1953 ، " إن ارتباطه بفلسطين تحول عام 1948 من مجرد إحساس عاطفي إلى إدراك عقلي لأبعاد هذه القضية ، وتأثيرها على مصر نفسها " ، مشيراً إلى أن رؤيته لقضية فلسطين تبلورت عام 1948 مرتكزة على الأسس التالية : 1- قضية فلسطين هي في جوهرها هي قضية اغتصاب وطن ساعد عليه الاستعمار مجسداً في بريطانيا . 2- قضية فلسطين هي قضية مصرية بمعنى أن الدفاع عن مصر يقتضي تحرير فلسطين ، وأن الدفاع عن فلسطين يتجاوز حدودها في رفح . 3- قضية فلسطين هي قضية عربية ، لأن اغتصاب فلسطين لا يشكل خطراً على الشعب الفلسطيني فحسب ، ولكنه يمثل خطراً على كل الدول العربية . 4- إن مواجهة ( إسرائيل ) وتحرير فلسطين يتطلب تحرير مصر وكل البلاد العربية من السيطرة الاستعمارية . لقد شكلت هذه الأفكار الأساسية التي قامت عليها رؤية عبد الناصر لقضية فلسطين منذ عام 1948 ، وحتى نجاح ثورة يوليو 1952 ، أساس إدارته للصراع العربي - الصهيوني من موقعه فيما بعد كرئيس لمصر وزعيم للأمة العربية ، بعكس مانراه اليوم من حالة انكفاء وتراجع عن الكثير من الأهداف القومية . مترافقاً مع بروز تعاطي معظم النظام الرسمي العربي مع قضية فلسطين وكأنها قضية معزولة عن سياقها القومي ، وكأنها لاتخص سوى الفلسطينيين وحدهم ، وربما شجعت حفنة صغيرة منهم انحازت إلى برنامج العدو ، وقبلت بتحويل هذه القضية من قضية مركزية للأمة العربية إلى قضية صهيونية داخلية ، سقفها حكم إداري ذاتي مرتبط امنياً وسياسياً بالاحتلال الصهيوني . شجعت اولئك الذين أرادوا التنصل من واجب وأعباء القضية المركزية للأمة العربية ، بذريعة انهم لن يكونوا ملكيين أكثر من "الملك" ( الفلسطيني ) الأمر الذي أثلج صدر العدو الذي لم يعتبر يوماً قضية فلسطين شأناً فلسطينياً خالصاً ، أو مجرد خلاف على قطعة أرض مع شعب فلسطين ، بل ان الوظيفة العدوانية الامبريالية للكيان الصهيوني للمنطقة كانت مبرر وجود هذا الكيان ولا تزال شريان حياته واستمراره ، وليست " التسوية " المزعومة إلا الوجه الآخر للعدوان الصهيوني على الأمة العربية ، فهي عنوان إضافي لاستكمال الأهداف الصهيونية تجاه الوطن العربي ، ومنها إعادة بناء النظام الاقليمي في المنطقة على اسس شرق أوسطية ، تتيح للكيان الصهيوني التحكم في شرايين الاقتصاد وامن المنطقة ، والعبث بهويتها القومية ، ورسم مسارات مستقبلها في سياق المشروع الامبريالي - الصهيوني الأوسع للهيمنة على المنطقة وموقعها الاستراتيجي . ان تجاهل العديد من القوى والانظمة لطبيعة الكيان الاستعماري - العنصري - الاستيطاني المحتل لأرض فلسطين وأجزاء من الأرض العربية ولترابط أهداف النضال القومي ، خصوصاً ارتباط هدف تحرير فلسطين مع باقي قضايا النضال القومي من أجل التحرر والوحدة والتنمية ، هو الذي فتح الباب واسعاً أمام جملة المخاطر التي تعيشها أمتنا العربية اليوم . تلك هي مأثرة ثورة يوليو وزعيمها الخالد جمال عبد الناصر الذي اعتبر الصراع العربي - الصهيوني الحلقة المركزية في نضال الأمة العربية التي تستقطب وتستدعي جدلياً سائر حلقات النضال الأخرى انطلاقاً من ان المشروع الصهيوني شكل رأس جسر على أرض فلسطين ليمنع بالقوة قيام أي وحدة عربية ، وليثبت التجزئة ، وليستنزف طاقات الأمة ويضعفها وليحرم أي من أقطارها من تحقيق أي إنجاز على صعيد تحرره وامتلاك إرادته المستقلة ونهوضه وتطوره وهذا ما اكده حين قال " إن الدفاع عن فلسطين واجب يحتمه الدفاع عن النفس وإن ما حدث في فلسطين كان يمكن أن يحدث ، ومازال احتمال حدوثه قائماً لأي قطر ، مادام مستسلماً للعوامل والعناصر والقوى التي تحكمه " ، مضيفاً " أنه يجب أن يكون واضحاً لكل بلد عربي أنه لايعطي النضال الفلسطيني ما يعطيه منّة او تكرماً أو لمجرد التضامن العاطفي ، وإنما هو يعطي ما يعطيه دفاعاً عن النفس وعن الحياة في إطارها الوطني وفي بعدها القومي " ( خطاب عبد الناصر في المجلس الوطني الفلسطيني - القاهرة 1/2/1969 ) . لقد تحملت مصر عبد الناصر عبء المواجهة ، فكانت وفيّة للوعي القومي الوحدوي والجماهيري التحرري الذي حملته ثورة يوليو ، وهي تؤكد على الترابط العضوي التاريخي والحضاري والثقافي بين أبناء الأمة الواحدة ووحدة أهداف الأمة وإرادة المواجهة والنضال العربي . لقد كان الزعيم عبد الناصر المعبر الحقيقي عن فلسفة القومية العربية في العصر الحاضر ، ومن ثم كان له الدور الأساسي في تطوير الوعي القومي فأسدى بذلك إلى أمة العرب أعظم رؤية في تاريخها الحديث . إذ جعلها تؤمن بنفسها وبتراثها وبأهمية دورها الحضاري في الحياة ، كما كانت المعركة القومية في رؤيته هي معركة التحرر من الاستعمار ، ومؤكداً في هذا السياق على ان هدف تحرير فلسطين فضلاً عن أنه حق ، هو الضمان الحقيقي لحرية الأمة العربية كلها ولوحدتها ، فكانت فلسطين قدر جمال عبد الناصر نفسه ، الذي لم تفرضه عليه أحكام الضرورة العمياء . ولكنه كان اختياراً واعياً . لقد شكلت المفاهيم التحررية الرائدة لثورة يوليو حقاً الأساس الموضوعي والعملي لمشروع وحدوي تحرري عربي شامل على كل الصعد السياسية والاقتصادية والحضارية . إن أمتنا العربية وقوى النضال الحيّة فيها من كافة التيارات المناضلة ، معنية اليوم بالاستفادة من دروس وتجربة ثورة يوليو ، وفكر جمال عبد الناصر الذي حدد بدقة التناقض الحضاري والعدائي بين الأمة العربية المتطلعة إلى التحرر السياسي والوحدة ، وبين المشروع الامبريالي - الصهيوني الذي يريد الهيمنة على الأمة والسيطرة على مقدراتها والتحكم بمسارات مستقبلها ومنعها من التحرر والوحدة . ان امتنا العربية أنظمة وقوى سياسية وثقافية ، معنية اليوم بمراجعة جادة لكل تجاربها من أجل تجاوز أزمتها الراهنة ، التي عمقها برنامج التسوية / التصفية العدواني الأمريكي - الصهيوني وما أجدرنا اليوم بوقفة جادة ونقدية تنهل مما لدى هذه الأمة من تجارب ومآثر نضالية لترشد مسيرتها وتتجاوز تلك السقطات والأوهام التي اعترتها . وليس أجدر من تجربة ثورة يوليو ووعيها المبكر لطبيعة الصراع في المنطقة ومركزية هدف تحرير فلسطين في نضالها القومي ، لتكون ملهماً للمناضلين العرب ، ولكل أولئك الذين يتألمون لحال الأمة اليوم ، ويرفضون الاستباحة الجارية لها على كل المستويات من قبل العدو الصهيوني - الأمريكي . ليس في مثل هذه الدعوة ، ما قد يصفه البعض بالبكاء على الاطلال ، أو اية " أصولية " فاستلهام تجربة لايعني نقلها حرفياً ، دون الأخذ بالاعتبار ما حدث من تطورات ومتغيرات ، مع أن ما قدمته التجربة الناصرية وثورة يوليو من مفاهيم ومآثر وقيم ، وسلوك نضالي هو نموذج لوعي استمد مكوناته من تاريخ الأمة وحضارتها وتراثها النضالي في مواجهة الغزاة والمستعمرين على مدى التاريخ وانطلق من وعي دقيق لواقع الصراع لم تتغير محدداته حتى هذه اللحظة . ان ما تتعرض له المنطقة اليوم وبخاصة القضية المركزية للأمة - قضية فلسطين - من مخاطر جدّية كان الزعيم الراحل قد حذّر منه في كل أحاديثه وخطبه ووثائقه ، حين نبّه إلى انتقال مركز الاستعمار العالمي إلى الولايات المتحدة ، وإلى دورها في تسليح وإسناد ودعم الكيان الصهيوني ، وحين اكد على أهمية استمرار الثورة الفلسطينية والحفاظ على القضية الفلسطينية ومنع تصفيتها وتصفية الشعب الفلسطيني ، مخاطباً الأمة بأن الشعب الفلسطيني لن يحرر فلسطين وحده ، ولكن نضاله يأتي كطليعة في معركة التحرير ، رافعاً شعار " مأخذ بالقوة لايسترد بغير القوة " معتبراً أن ذلك هو الطريق الذي يجب ان تسلكه الأمة لتحقيق أهدافها ، وداعياً إلى حشد كل الطاقات العربية في معركة التحرير ، التي هي معركة على كافة الجبهات ، هي حرب ضد التجزئة والتخلف والفرقة العربية ، هي حرب على جبهة الذات من اجل بنائها واعدادها وتهيئة قوتها ، وتخليصها من نقاط الضعف ، معتبراً أن الديموقراطية تمارس من خلال عملية الصراع وليس من خارجها ، ومن خلال بناء الإنسان العربي ، فمعركة التحرير هي معركة الجماهير العربية ، معركة القيم الانسانية ، وتجديد الدور الحضاري الفاعل للأمة العربية . لقد جسد عبد الناصر في عبارات مبسطة تحمل جدل وترابط قضايا النضال القومي في كلمة واحدة هي فلسطين حين قال " لن ندخل فلسطين على بساط أحمر ، سندخل فلسطين على أرضية مفروشة بالدم .. عندما نقول فلسطين لابد أن نفكر في " إسرائيل " والقوى المساندة "لإسرائيل" .. لابد من أن تكون عندنا قوة ذاتية ، لابد أن نستفيد من قوتنا كعرب ، في سبيلنا لتحرير فلسطين .. " ويضيف الزعيم الراحل قائلاً " إن من يعترف بالكيان الاستعماري العنصري الصهيوني يتخلى عن أبسط مبادىء القيم والعدالة الانسانية ، ويقبل راضخاً الظلم والاضطهاد والتزوير ، ويعترف بكل المطامع والاستهدافات الامريكية والصهيونية تجاه بلادنا. ومن هنا فالناصرية على خطا ثورة يوليو وزعيمها الخالد تمسكت دوماً بنهج المواجهة والتحرير ، لأنه قائم على فهم استراتيجي لطبيعة الصراع مع المشروع الامبريالي - الصهيوني واستهدافاته في المنطقة ، وانطلاقاً من ذلك فإن التراجع عن هدف التحرير وقبول نهج الاستسلام هو تراجع عن سائر أهداف أمتنا العربية ، كما ان تراجع المشروع التحرري الناصري باعتباره تجربة كفاحية رائدة من تاريخ نضال أمتنا ، لايعني التراجع أوالانكفاء عن هذه الأهداف ، بل إن المطلوب هو المزيد من التصميم والإصرار على ضرورة التمسك بأهداف وثوابت النضال العربي التحرري ، لأن تحقيقها لايقاس بتجربة أو عدة تجارب أو محاولات . بل سيكون نتيجة لعملية تراكمية نوعية ، يتخللها الكثير من حالات المد والتراجع فالتجربة الناصرية ليست سوى التجربة الرائدة والأبرز في النضال القومي العربي في القرن العشرين ، وهي لا تلغي أو تستنفذ كل التجارب القومية الشعبية والرسمية . ان ما حملته الناصرية من مقولات عبر العقود الماضية جسد لمصر وعياً قومياً وحدوياً ، وللأمة العربية تياراً وحدوياً تحررياً ، أبرز الترابط القومي العضوي التاريخي والحضاري والثقافي ، ووحدة الأهداف والمواجهات ، والاستقلال ، فالمشروع الناصري في جوهره مشروع نهضوي حضاري سياسي واقتصادي وثقافي . وفي ضوء ذلك اتبع عبد الناصر استراتيجية محاصرة وتطويق للوجود الصهيوني من أجل عدم تمكينه من التعايش في المجتمع العربي أو التغلغل في القرن الأفريقي ومحاصرته ، محدداً التناقض العدائي بين الأمة العربية الراغبة في التحرر السياسي والاجتماعي وبين الاستعمار الراغب في السيطرة وفي مواصلة الاشتباك . اننا أمام قائد قومي تاريخي عبر عن الجماهير العربية وعن بروز الأمة العربية كعامل تاريخي مستقل فهو الذي رفع شعار " ماأخذ بالقوة لايسترد إلا بالقوة " وهو الذي أمم القناة ووقف ضد حلف بغداد وانتصر في أفريقيا ومنع العدو الصهيوني من التغلغل فيها ، ودعم قوى التحرر فيها ، وهو الذي نادى بالحرية والتحرير باعتبارهما شرطين اساسيين لتحقيق هدف الاشتراكية ( أي العدالة الاجتماعية ) والوحدة العربية والتحرر السياسي للأوطان من استعمار استيطاني وقواعد عسكرية واحتلال مباشر أو غير مباشر للوصول إلى تحقيق أهداف الأمة العربية . إن ما يحدث اليوم من مشاريع وخطط وبرامج هو تصفية وإخضاع تحت إسم التسوية . أما شعار" السلام " المزعوم فإنه لايعني سوى فرض الاستسلام الشامل على أمتنا والتسليم بآليات ومفاهيم واستهدافات المشروع الامبريالي - الصهيوني تجاه بلادنا . إن هذا النهج يتناقض مع نهج الثورة والتحرير ، النهج الذي يرفض الاحتلال الصهيوني ومشروع الهيمنة الامبريالي على المنطقة ، وهو نهج سيؤدي إلى تصفية منجزات حركة التحرر العربي في الخمسينات والستينات بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر . ورغم المخاطر التي تعصف بالمنطقة وبواقع أمتنا إلا أن أمتنا في النهاية ستكون المنتصرة ، فأمريكا ليست قدر الشعوب . ان المشروع الامبريالي - الصهيوني القديم - الجديد لم ينكفيء ، فمنذ رحيل عبد الناصر وتوقيع الخائن السادات لاتفاقيات كامب ديفيد ، كانت إحدى استهدافات المشروع الامبريالي - الصهيوني ضرب ما تبقى من الحلقات المعترضة على هذا المشروع والمتمثلة في سورية والعراق بعد ان فشلت في المرحلة السابقة كل محاولاته لإضعاف وعزل مصر وسورية والعراق ، والتي شكلت حلقات النهوض القومي في مواجهة الغزاة وهزيمتهم فهي التي احتوت المشروع الامبريالي - الصهيوني ومنعته من التمدد والتوسع وتحقيق أهدافه منذ إنشاء الكيان الصهيوني عام 1948 . إن أمتنا العربية رغم حجم المؤامرة التي تتعرض لها حالياً ، لن تتنكر لتاريخها ولتراثها النضالي ولمبادئها ، مهما تعثرت التجارب أو اعتراها الفشل ، ولن تنجح الحملات المعادية في تشويه نضالنا القومي ، وتحميل ما طرحه من شعارات وأهداف مسؤولية مآلت إليه أوضاع المنطقة العربية سياسياً واقتصادياً ، فهذه الحملات ترمي إلى تزييف الوقائع وتمرير مخططاتها ومشاريعها من خلال التبشير بنهاية عصر النهوض القومي ومجيء عصر الانفتاح والعولمة التي ستحمل للناس الازدهار والانفتاح ! ! ( الاتفاقيات مع العدو وتطبيع العلاقات معه ) . فلدى أمتنا من الارادة والعزيمة والاصرار على المضي قدماً نحو تحقيق أهدافها الكثير ، مما يتيح لها استيعاب دروس الماضي وإعادة تقييم تجاربها السابقة لتفادي أسباب العثرات وسلبيات تجربتها الماضية . وفي إطار الاستهدافات الخطيرة التي تجابه الأمة ، حدد معسكر الأعداء بشكل دقيق دور ومستوى فاعلية وأهمية حلقات الصمود العربي ، ومرتكزات نضالنا القومي ، حيث مثلت سورية موقعاً هاماً سعت الدوائر المعادية إلى كسره وفرض شروطها عليه ، كمقدمة ضرورية لا غنى عنها من أجل توفير أفضل المناخات لاستقرار مشروعها في بلادنا ، إن هذه الأهمية لدور سورية لم تكن أهمية مفتعلة ، بل فرضتها نظرة موضوعية ، خاصة بعد رحيل الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ، حيث أخذ هذا الدور يتجذر ويتعمق في الواقع العربي ، خاصة في إطار ما التزمت به سوريا التي شكلت حاضنة وداعمة لولادة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وكذلك دورها المميز في إعادة تنظيم وترتيب أوضاع الثورة بعد أحداث ايلول عام 1970 . إضافة إلى ما تحملته من مسؤولية في حماية الوضع اللبناني ، وتحديداً بعد حرب تشرين عام 1973 ، وتوجه النظام المصري من أجل إجهاض نتائجها عبر معاهدة كامب ديفيد ، والحيلولة دون تعميمه على أرجاء المنطقة العربية ، وكان تعبير ذلك في التصدي لاجتياح لبنان عام 1982 من قبل العدو الصهيوني ، وإسقاط إتفاق 17 أيار في لبنان ، وإسناد ودعم القوى الوطنية اللبنانية . كما أن ما نشهده اليوم من وضوح في الموقف السوري والتزامه المبدئي والثابت خاصة بعد مؤتمر مدريد ، ورفض الخضوع والإذعان لشروط الأعداء ، كل ذلك جعل سورية الحلقة الأهم في استهدافات الأعداء ، ففي الوقت الذي تهاوى فيه عرفات مفرطاً بكل تاريخ النضال الفلسطيني والعربي وبدماء الشهداء ، كما فعلت ذلك أيضاً بعض الأنظمة ، فإن سورية المتمسكة بالثوابت وبرؤيتها للصراع استطاعت بفضل حنكة الرئيس حافظ الأسد وقدرته على إدارة هذا الصراع المعقد ، أن تقول للنظام العربي ولأطراف إقليمية ودولية أن الكيان الصهيوني لا يؤمن بالسلام ، وان السلام ليس في وارده ، بل ان العدو يريد تمزيق امتنا ليكون قيادياً وسياسياً واقتصادياً وأمنياً لها في إطار ما يسمى " الشرق الأوسط الجديد " . إن استلهام تجربة الثورة الناصرية يكون اكثر أهمية في مثل هذه الظروف الراهنة التي تعيشها امتنا العربية ، وهي تتعرض لهجوم إمبريالي شامل ، ولغزو فكري وثقافي وسياسي يستهدف شل إرادة الأمة ، ومحو الهوية القومية ، وتبديد ثقافتها وتشويه تاريخها والعبث بمستقبل أجيالها إن وعي أمتنا وقواها الحية لمخاطر المشروع المعادي ، لم يعد ملتبساً كما كان عليه الحال عشية عقد مؤتمر مدريد ، فكتلة الأمة من مصر إلى سورية ولبنان والاردن والسودان وفلسطين وصولاً إلى العديد من الأقطار العربية تعبر وبأشكال مختلفة عن مواجهتها للمشروع الأمريكي - الصهيوني واستهدافاته ، وهي بدأت تدرك أبعاد هذا المشروع ، واستهدافاته القريبة والاستراتيجية وهذا امر بالغ الأهمية في إطار النشاط الوطني والقومي وفي إطار تفعيل مواجهة هذا المشروع .

إننا في هذه المناسبة الخالدة نقول لكي نكون أوفياء لثورة يوليو ولزعيمها الخالد جمال عبد الناصر نرى في هذه المرحلة بالذات ضرورة التمسك أكثر بثوابت الأمة وقيمها التي أرست دعائمها ثورة يوليو والتي ترفع رايتها سورية الصامدة بقيادة الرئيس حافظ الأسد . 

إن أمتنا العربية اليوم مطالبة بامتلاك امكانيات الردع بكل أبعاده الاستراتيجية في مواجهة ترسانة الكيان الصهيوني الحربية ، كما انها مطالبة بأن يكون خيار الصراع والمواجهة خيارها الثابت الذي لابديل عنه لاحقاق الحقوق واسترداد كل ذرة تراب من وطننا العربي وحقوقنا المغتصبة . اننا على ثقة أن كل القوى القومية والجهادية المستنيرة والديموقراطية المؤمنة بنهج التحرير قادرة من خلال الحوار وعبر استخلاصات التجربة النضالية أن تحدد ميلاد المشروع النهضوي العربي الذي يجمع ويوحد كل طاقات الأمة من اجل تحقيق أهدافها في التحرير والوحدة والحرية والتقدم .

                                                     نشر في مجلة " فتح " العدد 396
                                                                 9/8/ 1997

نتنياهو سلام القوة والاخضاع....زابو خالد العملة[عدل المصدر]

أبو خالد العملة


نتنياهو " سلام " القوة والإخضاع ! !











نتنياهو سلام القوة والإخضاع ابوخالد العملة الطبعة الاولى 1996 جميع الحقوق محفوظة دار الكنوز الادبية ص. ب:7226- 11 بيروت- لبنان- هـ 653514 1- 9564،320 ع م ل ن 2- 1،327 ع م ل ن 3- ا لعنوان 4- العملة

                                                                مكتبة الأسد 







مقدمة أثار فوز رئيس حزب الليكود الصهيوني بنيامين نتنياهوفي الانتخابات الصهيونية الأخيرة يوم 29/ أيار الماضي، وتشكيله حكومته الجديدة من ائتلاف من الأحزاب اليمينية والدينية الصهيونية المتطرفة، العديد من التساؤلات والأفكار والتوقعات ، وتحديدا حول مستقبل ما يسمى بعملية " السلام "، وكذلك تجاه تطبيق اتفاقات أوسلوا الخيانية بين عرفات والعدوالصهيوني، والاتفاقات الأخرى الموقعة مع النظام الأردني، ومع بعض الأنظمة العربية التي اندفعت في السنوات الماضية لتطبيع العلاقات مع العدوالصهيوني، وأنخرطت في برنامج التسوية- التصفية الأميركي- الصهيوني في وطننا العربي. لقد تفاجأ الكثيرون، وخاصة أولئك الذين تحمسوا لشمعون بيريز ومشروعه المسمى " بالشرق الأوسط الجديد "، بسقوط هذا الأخير، وفوز نتنياهو بفارق حوالي 10% من أصوات اليهود في الكيان الصهيوني . مما أصاب الكثيرين في منطقتنا بما يشبه الصدمة وخيبة الآمال لهذه النتيجة الانتخابية التي اعتبروها مفجعة، خصوصا بعد ما وفرته الادارة الأميركية من دعم صريح وواضح لبيريز وحزب العمل في الانتخابات الصهيونية الأخيرة مما جعل هؤلاء يظنون ان احتمال هزيمته أمرشبه مستحيل. ان سبب مفاجأة هؤلاء، يكمن أساسا في عدم قدرتهم على فهم طبيعة المشروع الصهيوني- الامبريالي واستهدافاته في بلادنا منذ أن أنشئ هذا الكيان، وموقع ودور ووظيفة هذا الكيان في استراتيجية الغرب الاستعمارية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي عدم اعتبار صراعنا معه هومن طبيعة تناحرية، ويدورحول قضايا جذرية تتعلق بمصيرالأمة ومستقبلها. فأعداؤنا لم يكونوا في أي من السنوات الماضية أكثر وضوحا لدى عرض برامجهم ومخططاتهم واستهدافاتهم تجاه بلادنا العربية والاسلامية مما هم عليه الآن، فالاستراتيجية الامبريالية- الصهيونية الراهنة في المنطقة تفصح صراحة عن طبيعة وأبعاد هذا المشروع الامبريالي- الصهيوني. لقد كثف هذا المشروع إلى حد كبير استهدافاته القريبة والاستراتيجية فيما يسمى بالنظام الشرق الأوسطي، غداة حرب الخليج وبدء المفاوضات العربية- الصهيونية في مؤتمرمدريد أواخر العام 1991، وقد ولد هذا المشروع في سياق برنامج السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية على الوطن العربي والذي يطمح إليه الكيان الصهيوني، من خلال اضعاف وتفتيت الأمة العربية، وتحويلها إلى دويلات. لقد شكل مؤتمر مدريد بإطاريه الثنائي ومتعدد الأطراف المدخل لإقامة ما يسمى بالنظام " الشرق أوسطي " بالشكل المتصور صهيونيا وأمريكيا. وشكلت ثنائيات واشنطن عنوانا لتخريج اتفاق أوسلو بين عرفات واسحق رابين ، وما نجم عنه من اتفاقيات اقتصادية وأمنية تمهد لإقامة المستوى الأول من النظام الاقليمي الشرق الأوسطي " البينيلوكس " التي هي جسر عبور الكيان الصهيوني نحوالاقتصاديات العربية، أونحوالمستوى الأوسع والأشمل للنظام الاقليمي الشرق أوسطي، والذي يهدف إلى تكريس الكيان الصهيوني كمركز اقليمي قائد في المنطقة يحقق برنامج السيطرة لمصلحة الكيان الصهيوني والمخطط الأمريكي. ان الذين روجوا لما سمي بالسلام الأميركي- الصهيوني في بلادنا، ولمشروع شمعون بيريز سعوا إلى تضليل جماهيرالأمة حول طبيعة هذا المشروع العدواني، وإلى التمويه على عجزهم واستسلامهم والتحاقهم بالمخططات الأميركية- الصهيونية التي تستهدف تشريع احتلال الأرض العربية، والوجود الصهيوني في وطننا العربي واعادة صياغة المنطقة على أسس تنال من الحاضر والمستقبل والوجود القومي العربي. ولهذا السبب صور بيريز، ومن قبله اسحق رابين مجرم حروب الكيان الصهيوني ومكسر عظام أطفال الانتفاضة ، ومعهما حزب العمل ، وكأنهما دعاة سلام واستقرار في المنطقة، وصناع تاريخ جديد تنتهي فيه الحروب وتعم العدالة والازدهار في "الشرق الأوسط" المزعوم. اننا، ومن منطلق فهمنا لطبيعة العدوالصهيوني، نرى أنه لا فرق في الرؤية الاستراتيجية بين "بيريز" و"نتنياهو" ازاء مصلحة الكيان الصهيوني ، لكن هناك اختلاف في الأساليب لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الواحدة ، حيث ثمة رؤيتان داخل الكيان الصهيوني لتحقيق حلم " اسرائيل الكبرى "، وحول ما يسمونه " سلاما "، أوما يخططون له ويطلقون عليه النظام الشرق الأوسطي الجديد. وإذا بدا للبعض ان حزب العمل قدم بعض التنازلات ، ومارس بعض التكتيكات المنسجمة مع التكتيك الأميركي الخاص بالشرق الأوسط لخدمة المصالح الأميركية- الصهيونية، فإنه في حقيقة الأمر جعل من الأردن ومناطق الحكم الذاتي التابعة للاحتلال عبر اتفاقيات أوسلو ووادي عربة " المعبر" الحقيقي لتنفيذ أولويات النظام الشرق الأوسطي ، وهو بذلك استطاع أن يربط مصطلح الشرق الأوسط بالمفهوم الأمني الاستعماري الصهيوني الذي أخذ يتحدث عنه في السبعينات تحت عناوين " العمق الاستراتيجي " و" حدود يمكن الدفاع عنها " و" المجال الحيوي " وهوبهذا لم يتنازل إلا شكلا عن بعض الأرض الفلسطينية لمصلحة عقد اتفاق أوسلو بينه وبين ياسر عرفات الذي فرط بالوطن وبالشعب وبمصير ومستقبل القضية الفلسطينية . وهذه التنازلات الشكلية لم تكن ، بأي من الأحوال، انسحابا صهيونيا من " أراض " فلسطينية احتلت في العام 1967، بل كانت اعادة تنظيم وانتشار لوجود الجيش الصهيوني في غزة والضفة الغربية المحتلين ، بحيث أوكلت مهمات الاعتقال والمطاردة والقتل وقمع قوى شعبنا المناضلة ، لأجهزة سلطة الحكم الذاتي الاداري العميلة للاحتلال ، التي قبلت أن تلعب دور " الحزام الأمني " الذي يحول بين العدو ومقاومة شعبنا المسلحة والشعبية في الضفة وغزة ، وأن تقوم بوظيفة تساعد على تحقيق أهداف العدو في فلسطين والوطن العربي. ولا بد من التذكيرمجددا بأن حزب العمل الصهيوني لم يتنازل قيد أنملة في اتفاق أوسلو وتطبيقاته عن أي من شؤون السيادة والأمن الاستراتيجي ، كما حافظ على الاستيطان ، وأكد على أن القدس عاصمة موحدة للكيان الصهيوني ، وظل مسيطرا على الحدور والمياه ، ولم يمنح سلطة عرفات إلا صلاحيات ادارية ذاتية محدودة ، ودورا أمنيا " بالوكالة " يختص بمهمات القمع وارهاب شعبنا ومناضليه. ولا يفوتنا في هذا السياق التذكير بأن بيريز بالذات هو الذي ابتدأ المخطط الصهيوني- الأميركي الداعي إلى توجيه الضغوط السياسية والعسكرية ضد سوريا وتطويقها بالحلف العسكري الصهيوني- التركي ، وبمقررات قمة " شرم الشيخ "، وهوالذي فرض طوقا وحصارا على شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة منذ شهر شباط 1996، وهوالذي نفذ عملية " عناقيد الغضب " في نيسان 1996 ضد لبنان، ومجازر المنصوري والنبطية وقانا. لم يكن برنامج بيريز وحزب العمل يستهدف " تهويد فلسطين " وحدها بل الغاء الهوية الحضارية القومية العربية ، واستبدالها بالهوية الشرق أوسطية الجغرافية ، مع ازالة صفة الاحتلال والعنصرية والهيمنة عن العدوالصهيوني ، ناهيك عن سعيه لإحداث تغيير جذري يطال كل المؤسسات والدول في المنطقة ، والغاء وحل الجامعة العربية ، والمواثيق والمعاهدات والمؤسسات التي لها علاقة بالتنمية وبالتكامل الاقتصادي العربي، وقطع الطريق على الجهود التي كانت تبذل من أجل اقامة السوق العربية المشتركة للحيلولة دون القيام بأي خطوة تصب باتجاه أي عمل عربي مشترك . ولم يكن مشروع بيريز يستبعد لتحقيق أهدافه الضغط العسكري والتلويح بالعدوان على الأمة العربية، وصولا إلى طرح احتمال تنفيذه عمليا، اضافة إلى أنه سعى لتوظيف أكبر قدر من الدعم الأميركي الأمني والعسكري لكيانه ، وإلى تطوير التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتحقيق مزيد من الضغوط على الجانب العربي ، وفرض مشروعه بقوة التفوق الأميركي . لقد استطاعت حكومة العمل توظيف الدعم الأميركي للكيان الصهيوني إلى حد وصلت فيه الأمور إلى حد التطابق في رسم السياسات والمخططات لتحقيق مصالحهم على حساب أمتنا العربية. وكانت سياسة كلينتون منذ دخوله البيت الأبيض ترتكز على قاعدة رئيسية ، هي، كما يكتب الصحفي آلان غريتش في لوموند دبلوماتيك (تموز 1996)، " أن كل نقطة خلاف مهما كبرت أوصغرت بين واشنطن وتل أبيب يجب أن تزال فورا، وكل ثغرة يمكن أن تستغلها الدول العربية يجب أن تسذ ". وهذه السياسة استثمرها حزب العمل ليوصل التحالف الأميركي- الصهيوني إلى واقع ملموس وذلك من خلال: - المناورات العسكرية المشتركة بين الجانبين في النقب في بداية العام 1995. - دخول معاهدة التبادل التجاري الحر بين الجانبين حيز التنفيذ الكامل بعد عشر سنوات من التفاوض حولها. - ارتفاع الصادرات الأميركية إلى الكيان الصهيوني من 68 را مليار دولار عام 1985 إلى 7 ره مليار دولار عام 1995، وارتفاع واردات الولايات المتحدة من الكيان الصهيوني من 4 ا ر 2 مليار دولار إلى 7 ره مليار دولار في الفترة نفسها . وأثناء زيارة شمعون بيريز الأخيرة للولايات المتحدة تم وضع أسس معاهدة " الدفاع المشترك " الصهيونية- الأميركية التي طورت التعاون الاستراتيجي في مجالات الأمن والاقتصاد والدبلوماسية إلى الحد الأقصى . كما شكلت لجنة مشتركة برئاسة وزيري خارجية الجانبين لترسيخ التعاون، ووقعت اتفاقيتان " من أجل مكافحة " الارهاب " وتنمية وتطوير برنامج الصواريخ المضادة للصواريخ (أرو) (حيتس بالعبرية) ، وصواريخ لايزر ذات الفعالية المرتفعة ضد الصواريخ . وفي نهاية هذه الزيارة قال بيريز: " لم أجد شيئا أطلبه بعد" !. أما الدعم السياسي الأميركي فقد وصل إلى حده الأقصى في عملية عناقيد الغضب ضد لبنان، حيث امتدح كلينتون شخصيا العدوان ، واتهم المقاومة اللبنانية بالتسبب بمجزرة قانا، مبرئا الكيان الصهيوني منها ، حين قال وسط تصفيق حار: " ان اسرائيل عندما أطلقت النار كانت تدافع عن حقوقها المشروعة ". ان بيريز، وسلفه رابين ، مشبعان بالعقيدة العنصرية الصهيونية . وبيريز الذي يتأسف على ذهابه وعدم نجاحه عرفات وبعضرا الحكام العرب المستسلمين هوالذي قال ردا على تقرير الأمم المتحدة المتعلق بمجزرة قانا : " ليس المهم ما يقوله الغوييم (غير اليهود) المهم ما يفعله اليهود " ! فاليهود إذا هم البشر الحقيقيون وسواهم ليسوا إلا مجرد حيوانات ، وما يفعله اليهود دائما هوالصواب ، حتى لوكان ارتكاب المجازر بحق الشعوب ! . إن حزب العمل بالذات هوالذي ثبت دعائم الكيان الصهيوني وقاد حروبه الرئيسية وأمن التفوق العسكري التقليدي والنووي الصهيوني ، وهوالذي جسد حلم قديم للصهاينة نادى به مؤسس الحركة الصهيونية " تيودور هرتزل " في روايته عن أهمية قيام الأرض الجديدة، وانطلاقا من تلك المقولات خطا بيريز وحزب العمل خطوات عملية لترتيب أوضاع المنطقة، على أساس أن الحدود الجغرافية للدولة " اليهودية " لن تكون حدودا جغرافية، بل علاقات اقتصادية وسياسية مهيمنة ، وان الشرق الأوسطية كما قال تحقق " اسرائيل الكبرى " ولكن بوسائل غير عسكرية مباشرة . وهوالذي دعا إلى ما أسماه مشروع مارشال الاقتصادي للمنطقة يبدأ بإقامة " مثلث الاقتصاد السياسي والازدهار الاقتصادي " بين الكيان الصهيوني والأردن وسلطة الحكم الذاتي التابعة للاحتلال ، لكي تتحول تلك البوابتان فيما- بعد إلى جسر عبور للعدوالصهيوني نحوالمنطقة ، وهوأيضا الذي قاد الاستيطان وزرعه في أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وفي الجولان ، وهوالذي أسس لنظريات الأمن الصهيوني، وبعد ذلك سعى، ومن موقع القوة، إلى التركيز على العوامل السياسية والاقتصادية لعقد تسويات جزئية مع أطراف عربية مستسلمة. وإقامة النظام الشرق أوسطي لخدمة الكيان الصهيوني أمنيا وسياسيا واقتصاديا بحيث يضمن القيادة والهيمنة لنفسه على منطقة " الشرق الأوسط " ، ويعبر بيريز عن ذلك بقوله: " إن اسرائيل تواجه خيارا حادا بين أن تكون اسرائيل الكبرى اعتمادا على عدد الفلسطينيين الذين تحكمهم ، وبين أن تكون اسرائيل الكبرى اعتمادا على حجم واتساع السوق التي تحت تصرفها ". لقد حقق حزب العمل للكيان الصهيوني انجازات لم يسبق لها مثيل في تاريخه، أهمها اعتراف عرفات وعدد من الأنظمة العربية بشرعيته وباحتلاله لمعظم الأرض الفلسطينية، وكذلك الاقرار بدوره المركزي السياسي والاقتصادي والأمني. وكل ما حدث في الكيان الصهيوني في الانتخابات الأخيرة انما هو تعبير على أن السياسات الجديدة التي انتهجها حزب العمل تجاه الأمة العربية والشعب الفلسطيني لم تكن مفهومة لدى قطاع واسع من الرأي العام الصهيوني المشبع بالعنصرية والحقد والرغبة بالعدوان. حيث لم يستوعب المزاج الصهيوني العنصري المهيمن في الكيان الصهيوني في هذه الفترة القصيرة تكتيكات رابين وبيريز، ومعنى وضرورة استجابة الكيان الصهيوني للخطة الأميركية في الشرق الأوسط (التي قد تبدو للوهلة الأولى وكأنها متناقضة مع الرؤى التوراتية والصهيونية). وقد أدى ذلك إلى إقدام يهودي متطرف أواخر العام 1995 على اغتيال اسحق رابين ، وهذا المتطرف ليس حالة شاذة في الكيان الصهيوني، بل تعبيرا نموذجيا عن العقلية المتحكمة بالتجمع الاستيطاني الصهيوني، هذه العقلية المشبعة بالتعصب، ولا تقبل حتى بالتنازلات الشكلية مقابل المكاسب الجوهرية، لأن هذه التنازلات قد تعطي انطباعا بأن هناك تراجعا عن مواصلة المشروع الصهيوني، أوقد تقلل ظاهريا من نزعة التفوق والاستعلاء لدى الصهاينة. ولقد تعززت هذه العقلية الصهيونية بسبب التنازلات والتهافت والهرولة الرسمية العربية على الاستسلام للعدو، الأمر الذي جعل " التجمع الاستيطاني الصهيوني " يتساءل عن مبررات تقديم أي تنازلات شكلية للجانب العربي، مهما بدت هذه التنازلات ضرورية كخطوات مرحلية لتمرير البرنامج الصهيوني العدواني الجديدة. ان المزاج العام في الكيان الصهيوني لا يزال يتحسر على الانسحاب من سيناء (رغم النفوذ الصهيوني الذي وصل إلى كل مكان في مصر، وأدى إلى افقاد مصر دورها العربي المؤثر والمركزي، وتم عزلها عن مسار الصراع العربي- الصهيوني). وفوز الليكود في الانتخابات الأخيرة هوفي احدى جوانبه تعبير عن هذا المزاج الصهيوني المهيمن الذي يزداد تشددا وعدوانية وشغفا بالقوة والعنف والاستعلاء واحتقار العرب. ان نجاح نتنياهو، وأحزاب اليمين والأحزاب الدينية المتطرفة في الانتخابات الصهيونية الأخيرة هوتعبير صريح عن تجذر الفكر العنصري الصهيوني والتوراتي في التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، ويؤكد مجددا على ضرورة عدم اغفال البعد الايديولوجي التوارتي- التلمودي في تركيبة الكيان الصهيوني، فهذا البعد العميق في ثنايا الكيان هو الأساس في تماسك التجمع الاستيطاني الصهيوني (الذي يتشكل من مزيج من القوميات والأمم والثقافات) ، وفي قدرته بالتالي على انجاز مهماته ووظائفه في بلادنا والمنطقة، وتحقيق أهداف المشروع الامبريالي- الصهيوني في الوطن العربي. ان نظرة عميقة إلى الظروف التي تبلورت فيها الفكرة الصهيونية وإلى السياق الذي تجسدت فيه محطات المشروع الصهيوني الاستيطاني، توضح أن الهدف من وراء إقامة هذا الكيان في قلب الوطن العربي هو خلق مركز اقليمي مضاد للثورة وقوى حركة التحرر من أجل عرقلة أي تطور، وإعاقة التحولات الاجتماعية اللازمة لها لامتلاك القدرة على تحقيق أهدافها، وبالتالي الابقاء على ضعفها ومنع وحدتها وتقدمها وصولا إلى ضرب الهوية القومية العربية، وتذويب الانتماء الحضاري التاريخي الثقافي العربي في منظومة متعددة القوميات تعطي للكيان لاحقا في اطار المشروع الامبريالي- الصهيوني تبرير اندماجه في نسيج اقليمي مصطنع. وهذا ما يؤكد أن الخلاف بين " العمل " و " الليكود " هوخلاف على كيفية ادارة الصراع ضد الأمة العربية، وعلى كيفيه تحقيق الأهداف الصهيونية ، وهوخلاف على شكل وأساليب وأولويات المعالجة ضمن اطار الهدف الواحد لكل منهما، لكنه خلاف لا يجوز التقليل من شأنه، فهوليس خلافا بسيطا أوسطحيا لأنه يتعلق برؤيتين لكيفيظ تحقيق "اسرائيل الكبرى"، واستكمال المشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة، ومن خلال ما يسمى بالسلام الأميركي- الصهيوني. وفي ضوء ما سبق سنسعى في هذه الدراسة إلى توضيح أفكار وسياسات حكومة "نتنياهو" ، لننطلق إلى رصد أولوياته وتصوراته لمواصلة العدوان " السلمي " والعسكري على فلسطين والوطن العربي.















دور البعد الايديولوجي التوراتي في تماسك الكيان من المؤكد أن نتنياهو سيسعى إلى استثمار كل ما تم انجازه من خلال حكومة العمل لتحقيق مزيد من رضوخ الأنظمة العربية المستسلمة وسلطة عرفات ، وجرهم إلى تنازلات اضافية وأكثر خطورة، وسيحاول نتنياهو اعفاء حكومته من تقديم أي تنازلات مهما بدت ثانوية وهامشية وشكلية للجانب العربي ، وهوما عبر عنه بصراحة بضرورة " تكيف " الجانب العربي مع اطروحاته وتصوراته للأولويات والأسس الجديدة للسلام المزعوم. هذا على صعيد التكيتك المباشر ، ومن المؤكد أن الولايات المتحدة ستمنح نتنياهو الوقت الكافي لاختبار تكتيكه هذا ، الذي سيكون نافعا دون شك للسياسة الأميركية في حال نجاحه. أما إذا أدى هذا التكتيك إلى نتائج معاكسة فحينها يكون لكل حادث حديث، ولا شك أن الولايات المتحدة ستتدخل بفاعلية وتأثير لمنع انهيار مشروعها " الشرق أوسطي " الأكثر حيوية وأهمية بالنسبة لاستراتيجيتها الكونية الساعية للسيطرة على العالم ، والاستمرار كقوة دولية كبرى وحيدة مهيمنة على النظام ا لدولي . ليس ثمة خوف كبير لدى الصهاينة والأميركيين من أن يؤدي سلوك نتنياهوالسياسي الحالي إلى انهيار المشروع الأميركي- الصهيوني، فالأوضاع الرسمية العربية لا تبشر بالانتفاض أوالمواجهة ، لذا يمكن الرهان على المزيد من الانجازات الصهيونية والأميركية، والمزيد من التنازلات العربية والانصياع للشروط الصهيونية والاستسلام لها!!، خصوصا تنازلات سلطة الحكم الاداري الذاتي التابعة والنظام الأردني . ويدرك الأميركيون جيدا أن الواقع العربي الرسمي عاجز وضعيف ويمكن عدم أخذه بالاعتبار، وكان واضحا أيضا، لدى زيارة نتنياهوالأولى له كرئيس حكومة صهيونية إلى الولايات المتحدة، كيف حرصت الادارة الأميركية ، على الانسجام مع مواقفه ، وعلى اعطائه " الفرصة " . والفرصة الممنوحة لنتنياهو يمكن تفسيرها بإتاحة المجال له ولأحزاب اليمين وللأحزاب الدينية للانطلاق من بعد ايديولوجي صهيوني أعلى لتحقيق ما يسمى " بالسلام "، ودونما تفريط بهذا البعد العقائدي الذي يتصل بتهويد الأرض الفلسطنية ، والأراضي العربية، وبمفاهيم " الأمن " كما يطرحها رئيس الحكومة الصهيونية الحالي.

لقد طرح " نتنياهو" على الناخب الصهيوني برنامجا استراتيجيا ، وليس برنامجا انتخابيا تكتيكيا خاضعا للتراجع عنه كما يعتقد البعض ، وقد اتضح لاحقا أن برنامج نتنياهوالانتخابي، هوذاته برنامجه الحكومي ، وهونفس ما عرضه علنا لدى زيارته الأولى للولايات المتحدة في لقائه بالرئيس كلينتون، أو في خطابه أمام مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس الأميركي. ينطلق برنامج نتنياهومن منطلقين رئيسيين:- الأول: لا تفريط في أرض " التوراة ". الثاني: لا تفريط بكل ما يجعل الكيان الصهيوني مالكا بشكل مباشر لعوامل القوة والتفوق على العرب فرادى ومجتمعين ، وبالتالي لا تفريط بكل ما يجعل هذا الكيان قادرا على القيام بدوره الاقليمي ومهامه اللاحقة . ان شرط قدرة الكيان الصهيوني على انتاج دوره اللاحق هوتماسكه ، أما تماسكه فيكمن في البعد الايديولوجي العقائدي الصهيوني التوراتي- التلمودي الذي قام عليه أساسا ، واستمد منه دماء حياته فيما بعد . لقد كان الليكود وأحزاب اليمين والأحزاب الدينية الصهيونية أقدر من حزب العمل على التأكيد على هذه القاعدة الصهيونية ، وتقديم أنفمسهم كممثلين حقيقيين لها أمام الناخب الصهيوني في الانتخابات الأخيرة . وعندما حاول بيريز في أسابيع حكمه الأخيرة المزايدة على خصومه بخطاب القوة والعنف والأمن ، كان يقر بدوره بهذه الحقيقة الصهيونية التي لم يتنكر لها يوما، رغم تجاهلها من كثير من الرسميين العرب اليوم . الفكر الصهيوني مستمد من التوراة والتلمود ان الكيان الصهيوني بغض النظر عن مجيء العمل أم الليكود لم يغير جلده يوما، و لم يتخل عن فكره العنصري الديني وعن أهدافه الصهيونية، فيهودية الكيان مبدأ لا تجوز معارضته، والتعاليم التوراتية والتلمودية في الكيان الصهيوني ليست مجرد تعاليم عامة، أوشؤونا دينية بحتة منفصلة عن تركيبة " الدولة " وحياة " التجمع الاستيطاني "، فمنها استمدت مبررات الوجود المزعومة، ومبررات الاستمرار، وأسس القيام بوظيفة العدوان ، ومخططات تهويد فلسطين وطرد أهلها ، والتوراة هي التي زودت الصهيونية بأهم رموزها وذخائرها الثقافية (اللغة العبرية، الهوية، التقاليد المشتركة). ورغم ادعاءات الحركة الصهيونية، بأنها حركة " علمانية " لا دينية إلا أن هذه الحركة استمدت من التوراة والتلمود كل مكونات دعوتها السياسية والايديولوجية ، وأفكارها الرئيسية لإقامة الكيان الصهيوني في فلسطين . وحديث نتنياهو عن اعادة الاعتبار للصهيونية، وطرحه لنفسه " مجددا " لها لا يعني أكثر من اعادة الاعتبار لتلك المقولات التوراتية والتلمودية التي اعتمدتها الحركة الصهيونية منذ البداية لتشكل رايأً عاما بين اليهود مؤيدا لمشروعها في فلسطين المنسجم مع تطلعات الاستعمار للسيطرة على المنطقة العربية، والحفاظ على تجزئتها وتخلفها وتبعيتها بواسطة زرع جسم عميل للغرب وغريب عن المنطقة في قلبها (فلسطين). ان الصهيونية، كما يقول " اسرائيل شاحاك " في كتابه "التاريخ اليهودي... الدين اليهودي " " في ظاهرها علمانية ، لكن لا بد لفهمها من دراسة الأحكام والفرائض التلمودية التي تنظم علاقة اليهود بغير اليهود، ولا يمكن فهم السياسة الاسرائيلية ولا سياسات يهود الشتات من دون معرفة هذه الفرائض والأحكام التي لها تأثير في كل ذلك ". ويضيف شاحاك: " ان فكرة اسرائيل دولة يهودية كانت ذات أهمية قصوى للسياسيين الاسرائيليين منذ بداية ظهور الدولة ، وقد غرس هذا في أذهان السكان اليهود بكل الطرق الممكنة. وكان شرع قانون في العام 1985 ينص على أنه لا يجوز لأي حزب معارضة اسم الدولة اليهودية أو اقتراح تغييره بواسطة العملية الديمقراطية وحينئذ لا يحق له أن يشارك في انتخابات الكنيست ". وقد صدر هذا القانون عندما ظهرت في أوائل الثمانينات أقلية يهودية تعارض مفهوم " الدولة اليهودية " . ان هذا المبدأ يعني طبقا للتعريف الرسمي " للدولة اليهودية " انها دولة فقط للأشخاص الذين هم يهود بغض النظر عن أماكن وجودهم ، وهي لهم وحدهم . ان حرص الصهيونية ، على هذا المبدأ يعني:- 1- فتح الباب واسعا أمام استمرار عمليات تهويد فلسطين بواسطة مزيد من الهجرة اليهودية إليها، والاستيطان فيها. 2- اعتبار الفلسطيني المقيم على أرضه المغتصبة غريبا عنها ، وفي ذلك أيضا دعوة صريحة مستمرة لطرده وتهجيره منها، وفي أحسن الأحوال التعامل معه كغريب وعبد لليهودي صاحب الأرض والدولة والمالك الشرعي لها (! !). 3- الحفاظ على الثالوث المقدس للتوراة الذي يجعل الدين اليهودي مزيجا متكاملا من "الأرض والشعب ويهوه " ، فيصبح أي تنازل مهما كان بسيطا عن مكونات هذا الثالوث تنازلا وتفريطا بالدين اليهودي وبالتوراة . فالتنازل عن أي جزء من الأرض هو في هذه الحالة تنازل عما يسمى " الشعب اليهودي " وعن دولته وعن دينه ، وعن " قوميته " المدعاة أيضا. 4- عسكرة المشروع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين. فبناء الأداة العسكرية رافق الاستيطان الصهيوني في فلسطين منذ بدايته ، وفي العقيدة الأمنية الصهيونية كان للأداة العسكرية دور مزدوج ، وهوحماية الاستيطان اليهودي في فلسطين وتوسيع رقعته ، ولعب دور مركزي فيما بعد خارج فلسطين في اطار ما سيوكل إليها من مهام في المشروع الامبريالي- الصهيوني على صعيد المنطقة ، ولقد كان لاحتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان في العام 1967 أثر كبير في بعث جديد ونوعي لفكرة " الدولة اليهودية " أدى إلى تعميق هذا المفهوم الصهيوني المعتمد على القوة والاستيطان لدى الغالبية الكبرى من التجمع الصهيوني . وكما ينقل الصحافي الصهيوني المعروف " أمنون كابيلوك " في كتابه: " رابين اغتيال سياسي: الدين ، القومية ، العنف في اسرائيل "، عن المؤرخ الصهيوني ب. ميخائيل ، فإنه بدأت " غداة حرب 67 مرحلة لا عقلانية من تاريخ اليهودية ، فها هي اسرائيل الكبرى تبرز للعين ، الأراضي الجديدة ، القبور، الخلاص، المسيح المنتظر، ووعد الله لأبينا ابراهيم، وواجب الابادة والانتقام من أعدائنا . كل ذلك خرج فجأة من التوراة ، و لم يعد عنصرا بسيطا في صلاة متواضعة ، بل أضحى أوامر يجب تنفيذها ، وبدأت شبكة كبيرة من الحاخاميين والمتدينين والمدارس وحركات الشبيبة عملية غسل دماغ لجيل كامل ، وغرس في الأذهان حقيقة أن المسيح المنتظر يقف وراء الباب ، وأن الأشرار وحدهم يؤخرون مجيئه " . ويضيف أمنون كابيلوك: " أصبحت المستوطنات رمزا لمرحلة الانتظار... ان "اسرائيل الكبرى " ليست إلا أحد أوجه أهداف التيار الديني ، الحليف لليكود ، والهدف الرئيسي بناء دولة ذات دستور الهي لا مكان فيها لغير اليهود ، وإذا وجدوا فسيكونون في الدرك الأسفل من التجمع ". دولة العدوان اضافة إلى " الدولة اليهودية " استمدت الصهيونية من التوراة والتلمود النظرة التي تتبناها إلى غير اليهود، بكل ما فيها من كره واحتقار لهم ، ومن دعوات لابادتهم . واحدى تعبيرات ذلك ما أورده شاحاك في كتابه المذكور آنفا عن تعميم للجيش الصهيوني وزع على شكل كتيب ، ومما جاء فيه " عندما يمر جيشنا بمدنيين أثناء الحرب أويكون في معركة أويقوم بغارة، فإنه يجب قتل المدنيين إذا لم نكن متأكدين من أنهم لا يؤذون قواتنا . وانه تحت أي ظرف يجب أن لا يوثق بالعربي حتى لوأبدى سلوكأ حضاريا ، وأثناء الحرب عندما تهاجم قواتنا العدو فإنه مسموح لها طبقا للشريعة أن تقتل حتى المدنيين الأخيار ، أي الذين يتظاهرون بأنهم أخيار " . ويعقب " اسرائيل شاحاك " على ذلك بقوله: " ان الذي يعيش في اسرائيل اليوم يعرف كيف أن هذه الأفكار التي تنم عن الكره والوحشية منتشرة بين أغلب اليهود في اسرائيل (...) ومنذ مجيء بيغن إلى الحكم في العام 1977 لم يعد أغلب اليهود داخل اسرائيل وخارجها يتحرجون من ابدائها علنا ، وحتى في التلفزيون الاسرائيلي ". أرادت الصهيونية من تكريس هذه القيم التوراتية والتلمودية المحتقرة للآخر (غير اليهودي) والداعية إلى ابادته تأسيس (مجتمع ودولة) يقومان على فكرة الحرب ، ويتغذيان من العيش الدائم على أسنة الحراب وإلى الأبد ، كما كان رئيس أركان الجيش السابق ووزير خارجية شمعون بيريز ايهود باراك يقول. هذه الحقيقة يتوقف عندها أكبر فلاسفة " الكيان الصهيوني " يشاياعوليبوفيتش الذي توفي في العام 1995 عن عمر يناهز الـ 91 سنة ، فهويؤكد أن " ذوبان الديني في السياسي والسياسي في الديني في اسرائيل والصهيونية جعل اسرائيل دولة لا ترغب في السلم ، انها دولة تحولت إلى نظام عسكري يجند الشاب الاسرائيلي لزرع الرعب والارهاب في القرى الفلسطينية " . ويضيف: " الهم الوحيد للنظام التربوي الاسرائيلي هو تحويل الطالب إلى جندي مثالي (000) انها دولة أصبح فيها الشين بيت المعبر الحقيقي عن الواقع السياسي. ان دولة اسرائيل ليست دولة تمتلك جيشا بل جيش يمتلك دولة 0001) ان احد مسببات الطامة الكبرى التي تعاني منها اسرائيل هو تذويب الديني في السياسي والعكس بالعكس . ويضرب ليبوفيتش أمثلة على هذا التذويب بـ " قداسة الجيش التي رافقتها طقوس وصلوات الغاية منها اذكاء الحمية الوطنية ، التي ليس من المستبعد أن تقود إلى انشاء معسكرات لتصفية الخونة". ومن هذا كله استنتج ليبوفيتش " ان اسرائيل تتحول إلى دولة فاشية " . ان كل " هذا الاحياء المرضي للذاكرة اليهودية " أرادت منه الصهيونية " جعل العربي الموضوع الذي يهدد صفاء ومستقبل المشروع الصهيوني " وتحويل ذلك إلى قاعدة وذريعة دائمة لاعلان الحرب عليه لمنعه من مقاومة هذا المشروع .

انقسام حول الوسائل وليس حول الأهداف الاستراتيجية ان التوراة التي تشكل ركيزة للفكر الصهيوني غايتها " حرمان أي حاكم غير يهودي أن يحكم في أرض اسرائيل "، كما يقول اسرائيل شاحاك . وبالتالي فإنه " لا يمكن أن يكون للفلسطينيين سلطة ذات استقلال رمزي ، ومن غير الممكن ما دامت اسرائيل دولة يهودية، أن تعطي استقلالا شكليا لغير اليهود ضمن أرض اسرائيل لأسباب سياسية لأنها دولة خصوصية ". ولهذا فإن الكيان الصهيوني يواجه حسب شاحاك خيارا هوأن يصبح "غيتوحربيا أوسبارطة يهودية يساندها العمال العرب كعبيد ". ثم يقول: " ان اليهودية التاريخية وخلفياتها اليهودية الارثوذكسية والصهيونية عدوان قويان لمفهوم المجتمع المفتوح ، وان الدولة العبرية سواء كانت مؤسسة على الايديولوجية اليهودية الحالية أم ستصبح أكثر يهودية في سلوكها مما هي عليه الآن لا يمكن أن تكون مجتمعا مفتوحا على الاطلاق " . أن منابع الفكر الصهيوني معبر عنها في كل القوانين الصهيونية والبرامج التربوية والثقافية والاعلامية، وفي برامج الأحزاب الصهيونية وأفكارها وسياساتها. ويمكن القول ببساطة شديدة ان المنابع التوراتية التلمودية للصهيونية متحكمة بالكامل بالوعي الصهيوني الجماعي في كيان العدو، وهي أقدر من غيرها على تقديم تفسير منطقي وصحيح للحركية السياسية الداخلية للصهيونية ، ولنتائج الانتخابات الصهيونية الأخيرة ، التي عبر فيها الرأي العام الصهيوني بأغلبية مهمة عن انحيازه للايديولوجية الصهيونية . ويجب ألا تنطلي علينا خديعة انقسام المجتمع الصهيوني عاموديا بين مؤيدين " للسلام " المزعوم ورافضين له . فهذا الانقسام ليس حاصلا أبدا على صعيد الولاء للفكر الصهيوني، و" للدولة اليهودية " . بمفهومها التوراتي الصهيوني ، وليس حاصلا حول النظرة للعرب والفلسطينيين. انه فقط انقسام حول التكتيك ، ووسائل تحقيق البرنامج الصهيوني الاستراتيجي، كما جرت الاشارة سابقا ، وحول مراحل تحقيق هذا البرنامج . وليس صدفة أن نرى حزب العمل يقود حملته الانتخابية ببرنامج الليكود ، وإذا كان "حزب العمل " قد ألمح إلى استعداده لتقديم تنازلات اقليمية محدودة عن جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 (وتحويلها إلى كانتونات معزولة مقطعة بالمستوطنات والطرق الالتفافية) فهوفعل ذلك، أيضا، تحقيقا للايديولوجيا الصهيونية- التوراتية ، التي تدعو إلى الحفاظ على " نقاء الدولة اليهودية " ، وتخلصا من " القنبلة الديمغرافية " الفلسطينية ، وكي لا يصبح الكيان الصهيوني "دولة ثنائية القومية ". لذا حرص حزب العمل على التخلص من أكبر قدر من السكان الفلسطينيين مع تنازل شكلي عن أقل قدر من الأرض الفلسطينية دون منح أي شكل من أشكال السيادة للحكم الذاتي الفلسطيني التابع للاحتلال في اتفاقات أوسلو و طابا .

أما الليكود فإنه يقلل من خطر " الديمغرافيا " الفلسطينيه ويسخر مما يسمى" بمعركة الأرحام" ويرى ببساطة أنه يمكن استعباد الفلسطينيين المقيمين على " أرض اسرائيل الكبرى " وتحويلهم إلى " أقلية قومية تقيم في أرض الغير " ليس لها في أحسن الأحوال أكثر من حق ادارة شؤونها المدنية المحلية بذاتها وتحت السيادة الصهيونية الكاملة ، ودون تنازل عن شبر من الأرض الفلسطينية ، بل على العكس من ذلك ، فإن " الادارة الذاتية " التي اقترحها مناحيم بيغن وثبتها في اتفاقيات " كامب ديفيد " ، هي مقدمة لحسم مسألة السيادة في الضفة الغربية لصالح الكيان الصهوني بعد الفترة الانتقالية. كما قال ذلك صراحة مناحيم بيغن في خطابه أمام الكنيست الصهيوني في 25/ أيلول/ 1978 بعد عودته من واشنطن في أعقاب توقيع اتفاقيات كامب ديفيد. ويوضح الأمر اسحق شامير في مقالة كتبها في صحيفة يديعوت أحرونوت (6/ 8/ 1995) بقوله: " كانت كلمات السيد بيغن واضحة للغاية، وكان قصده انه بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي، سنبحث في التسوية الدائمة ونطالب بسيادة اسرائيل على كامل أرض اسرائيل". " تجذير " الأهداف الصهيونية خلاصة ما سبق هو أن البعد الايديولوجي الصهيوني (التوراتي- التلمودي) المتمكن من التجمع الاستيطاني الصهيوني يؤكد أن فوز نتنياهو تعبير عن أن أغلبية الرأي العام الصهيوني يرفض تقديم أي تنازلات على صعيد الانسحاب من الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة عام 1967 (الجولان والضفة الغربية)، ويصر على عدم السماح لغير اليهود بإقامة أي حكم غير يهودي في (أرض اسرائيل). لقد قدم الليكود نفسه للناخب الصهيوني ببرنامج قائم على " تجذير الأهداف الصهيونية"، وعلى رد الاعتبار للأيديولوجيا الصهيونية ، ووقف مسيرة الانحراف عن هذه الايديولوجيا، أو "خيانتها"، كما كان نتنياهو يصف رابين وسياساته عشية مقتل هذا الأخير، وهي ذات الأوصاف التي أطلقها اليمين بكل اتجاهاته (العلمانية) والدينية على ما يسمى بـ " اليسار الصهيوني " منذ توقيع اتفاق أوسلو . وقد لاقت هذه الأوصاف صدى لدى غالبية التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين ، لأنها نبهته إلى ما اعتبر تنازلات خطيرة . لقد قال نتنياهو في الكنيست الصهيوني: " رابين لا يحب بلاده ولا يعتبر اسرائيل وطنا له، انه يبيع وطنه كسلعة ". ومن الشعارات التي ألصقت على الجدران في صيف العام 1995، أي قبل مقتل رابين بأسابيع معدودة : "الشعب ضد الخيانة " " حكومة رابين تضحي بحياة اليهود " ، " رابين يبيع وطننا ". وأمام منزل رابين تجمع عدد من الأشخاص هاتفين " اقتلوا اسحق اللعين ابن روزا بأسرع وقت ممكن بسبب سوء نيته تجاه شعب الله المختار ". وشارك نتنياهو في مظاهرة آنذاك حمل فيها نعش أسود كتب عليه " رابين يدفن الصهيونية " . وحتى بعد مقتل رابين لم يغير اليمين خطابه هذا . فها هو رفائيل ايتان رئيس حزب تسوميت شريك الليكود الرئيسسي في الحكومة الصهيونية الحالية يعلق على مقتل رابين بتحميله (أي رابين) المسؤولية عنه بقوله: " انه بموجب القانون الاسرائيلي فإن من يتخلى عن أراضي اسرائيل يواجه عقوبة الموت أوالسجن المؤبد " . قد يقول قائل ان هذا كله تحريض انتخابي من اليمين الصهيوني ، أوتعبير عن تيار صهيوني متطرف، وليس تعبيرا عن رأي غالبية الرأي العام الصهيوني ولكن الحقيقة التي جاءت بها نتائج الانتخابات الصهيونية ، رغم الدعم الكبير الذي حظى به بيريز خصوصا من الولايات المتحدة الأميركية ، أكدت عكس هذا الرأي ، وأثبتت حقيقة أن التجمع الاستيطاني الصهيوني يظل مندفعا نحومزيد من تبني وممارسة التطرف والارهاب والعنف، وليس العكس ، كما يخيل للمستسلمين والواهمين بسلام أميركا في وطننا العربي . لقد تنبه شمعون بيريز نفسه لهذه الحقيقة ، عندما تسلم الحكم بعد مقتل اسحق رابين، فأوقف اعادة الانتشار في الخليل المتفق عليها في طابا ، مؤجلا ذلك لما بعد الانتخابات، بسبب الاعتبارات الاستيطانية والتوراتية في الفكر الصهيوني لهذه المدينة الفلسطينية. وتراجع عن استعداده السابق لتنازلات اقليمية في الجولان ، وغير برنامجه التفاوضي بالكامل على صعيد مسار التفاوض السوري . وأوقف تنفيذ " خطة الفصل " مع الفلسطينيين التي أقرها اسحق رابين لأن ذلك ، أيضا، يوحي بفصل في " أرض اسرائيل "، وأعلن صراحة رغبته في المحافظة على المستوطنات في الضفة الغربية ، لا بل توسيع رقعة الاستيطان، وكان حزب العمل قد واصل بعد أوسلو " تسمين " المستوطنات القائمة دون الاعلان عن ذلك ، حيث زاد عدد سكان المستوطنات منذ توقيع اتفاق اوسلو بنسبة 5%، وارتفعت موازنة الاسكان المخصصة لهم بنسبة 10% . كما عادت سياسة القمع الصهيوني المباشر لتعلن عن نفسها في مناطق الحكم الذاتي ، حيث عاد الجنود يدمرون المنازل ويوقفون المطلوبين . بل ان " يوسي بيلين " الذراع الأيمن لبيريز، والذي يوصف بأنه الأكثر حمائمية، قال صراحة " في اطار الاتفاق النهائي مع الفلسطينيين ستبقى معظم المستوطنات في أماكنها وستضم إلى اسرائيل " ، الأمر الذي جعل زعماء المستوطنين الذين التقاهم بيريز يتحدثون عن احساس جديد لديهم " بأن كل شيء تغير، أحسست بأن الحكومة بدأت تصغي إلينا وبدأوا يفهمون آلامنا ولن يقدمونا كأضاحي " على حد تعبير الحاخام ريسكين من مستوطنة أفرات. ان نتنياهوعندما يقدم نفسه كحريص على تماسك التجمع الاستيطاني اليهودي في فلسطين، انما يفعل ذلك للتذكير بأهمية التعاليم التوراتية والتلمودية في مد الصهيونية مجددا بالحياة، منسجما بذلك مع نمط التفكير السائد في الكيان الصهيوني، الذي يبرز بشدة في بعض الأزمات والأحداث، بينما هو ينمو بهدوء تحت طبقات رقيقة وهشة من ادعاءات العقلانية والليبرالية والعلمانية والديمقراطية . وعلى عكس ما هوشائع لدى بعض النخب الثقافية العربية ، فإن المختصين بدراسة الكيان الصهيوني يجدون أن التفكير الديني (التوراتي) يحتل حيزا أكبر باضطراد في الذهن اليهودي ويساهم في التأثير على قطاعات أكبر في التجمع الاستيطاني الصهيوني . هكذا تتجه الثقافة التقليدية والتلمودية في الكيان الصهيوني نحو" أصولية " يهودية متعصبة . كما ان الثقافة الصهيونية التقليدية التي ادعت " العلمانية " باتت تنحو هي الأخرى نحومزيد من تكييف نفسها مع التراث التوراتي اليهودي ، وهذه الثقافة الصهيونية ليست قابلة كما تزعم بعض النخب الثقافية العربية ، للتكيف مع ما يسمى بالتحولات الدولية التي تفترض أن تتخلى الصهيونية عن مفاهيمها القديمة المتمثلة في فكرة " أرض الميعاد " و "الاستيطان " و" التوسع الجغرافي بلا حدود " فهي ان فعلت ذلك انهارت كقومية مزعومة، لأن القومية " الدينية " اليهودية المزعومة تصبح بلا أسس أومسوغات حتى على مستوى الادعاء وتزوير حقائق التاريخ.



نتنياهو : الرد على نظرية " ما بعد الصهيونية " !!

في كتابه " مكان بين الأمم " حسب طبعته الانجليزية، " مكان تحت الشمس " حسب الطبعة العبرية ، يظهر نتنياهو وفيا للصهيونية ببعدها التوراتي المشار إليها ، وببعدها الأمني الذي سيجري التعرض له لاحقا. وهذا الكتاب، يمكن اعتباره على الفور المرشد الأكثر أهمية لبرنامج حكومته الايديولوجي والسياسي. في هذا الكتاب يدين نتنياهو حزب العمل لكونه اعتبر " اسرائيل ملزمة بأن تعيد للعرب الأراضي التي احتلتها عام 1967، واعتبار هذه الاعادة . بمثابة تعويض للعرب أو تلبية جزئية لمطالبهم العادلة، يمكن أن تجعلهم يتصالحون مع الصهيونية، لذا أصبح الطموح في التخلص أوالانفصال عن قلب أرض اسرائيل مبدأ ايديولوجيا وأمرا الهيا لدى قسم كبير من الجمهور الاسرائيلي "، نتنياهو اعتبر ذلك تخليا عن جوهر الصهيونية ، وتعزيزا لمقاومة العرب و" تقويضا لعدالة قضيتنا " .

الأرض العربية هي أرض الصهاينة بالنسبة لنتنياهو ولا يجوز التنازل عنها ، ولذلك خصص كتابه المذكور لـ " تفنيد الفرضيات الأساسية للنظرية الخاصة بعناصر الصراع العربي- الاسرائيلي وطرق تسويته كما تعرضها الدعاية العربية " ، على حد قوله . لذا يعتبر نفسه " معنيا بإعادة تربية الجمهور اليهودي بالروح والأهداف الصهيونية القائمة على أساس الوعد التوراتي " ، داعيا إلى " الثبات من جديد على أرض اسرائيل ، واستئناف السيادة اليهودية وقوة الدفاع اليهودية واحياء الثقافة اليهودية على أساس القيم الدائمة لشعب اسرائيل ، فكل هذه الأمور تعتبر مؤشرات لثورة كبرى في وضعنا القومي، وإلى قبولنا لدى معظم جيراننا كحقيقة قائمة في المنطقة " (بنيامين نتنياهو، مكان تحت الشمس، ترجمة محمد عودة الدويري ، دار الجليل - عمان -1995 ، ص 14، ص 15، ص 38) . " المسألة الأساسية " عند نتنياهو يعتبر نتنياهو ان مجرد اقرار كيانه بأن " يهودا والسامرة هي أراض عربية مسلوبة "، فإن ذلك يعني أن " يافا وعكا والرملة هي بنفس المستوى، وبالتالي فإن هذا يشمل جميع اسرائيل ، فإن لم يكن لليهود حق بالعيش في منطقة يهودا ، التي تشكل مهد الحضارة اليهودية، فما هوالحق الذي يملكونه للعيش في أجزاء أخرى من الدولة اليهودية؟! هذه هي المسألة الأساسية الكبرى، وهي التبرير الأخلاقي لوجود الدولة اليهودية ". يسمي نتنياهو " اليساريين " الصهاينة (حزب العمل) بأصحاب ذظرية " ما بعد الصهيونية " "الذين يعدون الرأي العام لمواصلة الانسحاب بالتغلب على ثلاثة عناصر رئيسية : ا- المخاوف الأمنية السائدة لدى الجمهور من تسليم مناطق استراتيجية في وسط البلاد (الضفة) وشمالها (الجولان) لسيادة عربية . 2- الرابطة الوطنية العميقة مع هذه الأجزاء من البلاد التي تشكل قلب الوطن اليهودي. 3- التغيير العملي لهذه الرابطة المتمثل باستيطان يهودي واسع في هذه المناطق . وحسب نتنياهو فإن نظرية " ما بعد الصهيونية " هذه " تعتبرأكثر خطورة على مستقبلنا من هجمات خارجية، حيث أن تنازل دولة اسرائيل عن المبادئ الصهيونية، يعتبر تنازلا عن مصدر حياتها، وعندئذ تبدأ بالذبول ". وهكذا يعرض نتنياهو أفكاره في مجالين يسميهما " المجال الأخلاقي " الذي يتحدث فيه عما يسميه " حق الحركة الصهيونية وتعرية كذب الادعاءات العربية " ، و" المجال العملي " الذي يعرض فيه ما يسميه " النظرية السياسية والأمنية المطلوبة لبقاء دولة اسرائيل وتحقيق سلام حقيقي مع جيرانها ". بالنسبة لنتنياهو ، فإن سلوك حزب العمل ، ومسيرته التسووية مع عرفات ، وعلى المسار السوري تعبير عن " نقص صهيونيته " و" ضعف ايمانه بالمستقبل " ، وتمريرا لمؤامرة عربية هدفها القضاء على "دولة اسرائيل " " بالطرق السلمية ". لذا يدعو إلى احياء الصهيونية وأهدافها مذكرا بأنه (( قد حوفظ على حلم العودة متكاملا منذ العهد القديم وحتى يومنا هذا بفضل الطابع الخاص لليهودية ذاتها. يعتقد أبناء العالم الغربي بشكل عام أن اليهودية شأنها شأن المسيحية مجرد دين ، لذا فهي لا تشمل وعيا قوميا ، لكن اليهودية منذ بدايتها كانت دينا وقومية معا)). اعادة الحيوية إلى الحركة الصهيونية، وبعث شبابها كما يدعو نتنياهو، يقتضي " النجاح في توسيع الهجرة اليهودية إلى اسرائيل من جديد لتصبح دولة يتراوح سكانها ما بين 8- 10 ملايين يهودي ، بحيث تتمكن من التمتع بالازدهار والحركة والاستقلال عن الحاجة للولايات المتحدة ، وحين تتقوى اسرائيل إلى هذا الحد سيضطر العالم العربي في النهاية إلى ابرام السلام الحقيقي معها دون أن تنسحب من الضفة الغربية والجولان ، ودون أن يكون هناك خطر يتهددها بتحول اليهود إلى أقلية فيها قياسا بالعرب بسبب ارتفاع نسبة التزايد الطبيعي لديهم ". " ان تاريخ الصهيونية هوتاريخ هجرة اليهود إلى أرض اسرائيل ، وهذا هوالعنصر الذي سيحسم مستقبل الدولة السكاني ". " ان من شأن موجات هجرة جماعية أن تضع نهاية للحلم العربي برؤية دولة اليهود تنهار كدولة الصليبيين " . ويعي نتنياهو جيدا البعد الآخر الذي استعارته الصهيونية من التوراة ، وهو يعد ممارسة العنف تجاه الآخر وتقديس القوة ، فيطرح ، أيضا ، اعادة مراجعة مسيرة الصهيونية ، التي اختلت . بما وافق عليه حزب العمل من " سلام " سيؤدي إلى اضعاف " الدولة اليهودية ". يكتب نتنياهو " ان من يحرم حمل السيف سرعان ما ينسى كيفية استخدامه ، ويبدأ استعداده النفسي للمقاومة يتلاشى (000) ان الضعف في حد ذاته يغري بالعدوان على الضعيف. من المحتمل أنه نتيجة للمرحلة المؤلمة التي قطعها " الشعب اليهودي " أصبحت النفس اليهودية تبحث عن طريقة للخلاص من ضرورة البقاء في صراع دائم . وأصبح هؤلاء الاسرائيليون يتساءلون: متى سينتهي هذا الأمر ؟! هل محكوم علينا أن نبقى نحارب إلى الأبد ؟! " . ويجيب: " لا يمكننا اعطاء اجابة كاملة على هذه التساؤلات إذ أن أيا كان لا يستطيع أن يتنبأ. بما إذا كان السلام أفضل لنا أم الاستمرار في الحروب . لأن أي انسان غير قادر على أن يتنبأ بحجم ونتائج تلك الحروب المستقبلية . هل ستندلع حروب ؟! وهل ستنجح الجهود الدبلوماسية في منع وقوعها ؟! أم ستتوقف الحروب بسبب وجود قوة الردع ؟! ". " اننا غير قادرين على اعطاء اجابات قاطعة على هذه الاسئلة . نستطيع القول ، بالتأكيد ان النزاعات السياسية والدينية في الشرق الأوسط لن تنتهي في المستقبل المنظور ، إلا إذا قبلنا بفكرة أن " نهاية التاريخ " تقف على الأبواب وأن عهد عودة المسيح يقترب ". والخلاصة بالنسبة لنتنياهو هي: " إذا لم تكن قادرا على حماية نفسك ، ربما لن تجد من هومستعد للدفاع عنك ، ان ضائقة الأرمن في مطلع هذا القرن ، واليهود في منتصفه ، والأكراد في أواخره تعتبر أفضل نموذج للمذابح التي ارتكبت بحق شعوب لا حول لها ولا قوة؟! ولا يعتبر التأييد الدولي بديلا عن الدفاع الذا تي، لذا يجب على الشعب اليهودي أن يرفض بشدة الادعاء العقيم ، الذي يردده اليسار الاسرائيلي ، وهوانه إذا تنازلت اسرائيل عن أجزاء ذات أهمية في جدارها الواقي ، فإنها ستكسب قوة أخلاقية تكسبها تأييدا مستمرا من جانب الدول الكبرى في العالم . إلا ان الضعف لا يكسب شيئا ، وانه لن يضمن استمرار تأييد هذه الدول ، بل سيكون سببا لضمان عدم اكتراثها باسرائيل ". " الآن بدأت مرحلة جديدة في تاريخ شعبنا ، منذ قيام دولة اسرائيل تغير جوهر طموحاته. ففي المهجر كان الهدف الرئيسي للشعب استعادة ما فقده ، أما اليوم فأصبح هدفه المحافظة والاحتفاظ بما استعاده (...) نحن الآن في بداية هذه المهمة، وستكون لنتائج نضالنا أهمية بالغة، ليس بالنسبة " لمصير الشعب اليهودي " فقط ، بل بالنسبة للانسانية أجمع ". هذه الاستشهادات المطولة حول دعوة نتنياهو" لتجديد الصهيونية " وانقاذها ، وبالتالي انقاذ " دولة اليهود " من مؤامرة الغائها العربية والدولية ، كما يشير لذلك في أكثر من موضع من كتابه ، هدفها إبراز كل تلك الأسس الأيديولوجية الصهيونية الأكثر أهمية ، التي أسس عليها نتنياهو برنامج حكومته السياسي ، ومخططات حكومته تجاه المنطقة ، ويعتبر نتنياهو" الأمن " أساس " السلام المسلح " الذي يدعوله ، ليعيد ترتيب أولويات مشروع التسوية الأميركى- الصهيوني . لقد خاطب نتنياهو في الرأي العام الصهيوني ثقافته السياسية وأيديولوجيته وعناوين تماسكه التي تربى عليها، والتي لا يستطيع الاستمرار في الحياة كتجمع متماسك قادر على الاستمرار في وظائفه المناطة به بدونها . ان الظروف الدولية والعربية والاقليمية المؤاتية لمصلحة الكيان الصهيوني، تصب هى الأخرى، زيتا جديدا فوق كل نار التشدد هذه التي يبديها الصهاينة اليوم ، وكيف لا يشعر هؤلاء بغطرسة القوة وبالتفوق العنصري الديني والسياسي ، ما دامت كثير من الوقائع تؤكد صحة ما يذهب إليه الصهاينة من استنتاجات وسياسات . وما دامت لا تمارس على العدو أية ضغوط جدية عربية أودولية ، بل بات العدو هو الذي يمارس هذه الضغوط على كافة المستويات، فيحاصر ويجوع الشعب الفلسطيني ، ويهاجم لبنان ويدمر بناه التحتية ويرتكب المجازر ضد سكانه الآمنين ، ويعمل على تطويق وعزل سوريا ، من أجل فرض املاءاته على الأمة من موقع القوة. ان مثل هذه الثقافة الصهيونية العنصرية التي يعرضها نتنياهو، وشعور الكيان الصهيوني بإمكانية فرض شروط واملاءات جديدة على الدول العربية الضعيفة تجعلنا نتوقع اشتداد الصراع العربي- الصهيوني في المرحلة المقبلة ، نتيجة تشدد اليمين الصهيوني، وسعيه للاستفراد بالدول العربية دولة بعد أخرى. ان صعود نتنياهو بأفكاره التي تعبر عن الثقافة المسيطرة والسائدة في التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين دليل على أن طبيعة الكيان الصهيوني لا تحتمل أي " سلام " ، ولا حتى "الحد الأدنى" من السلام المزعوم لأن وجود هذا الكيان أصلا نقيض للسلام . وهذا ما يمكن تتبعه من عرض نتنياهو لمقولات " سلامه المسلح " ، ولأولوياته وخططه التي ينوي تنفيذها، حتى بقوة الحرب إذا ما اقتضى الأمر ذلك .





منطق " الأمن " : منطق القوة والإخضاع

يحتل منطق " التفوق الصهيوني " و" الأمن المطلق " محور الخطاب الأيديولوجي والسياسي الصهيوني . وهذا المنطق مستمد في جانب منه من البعد الديني التوراتي للأيديولوجيا الصهيونية ، وهوفي جانب آخر يستهدف مواصلة استنفار التجمع الصهيوني وتحقيق لحمته وتماسكه وقدرته على أداء وظائفه . ولكثرة ما ألح قادة الكيان الصهيوني وزعماء أحزابه ومؤسساته التربوية كافة على خطاب "الأمن " ، وحيويته ، أصبح " الأمن " هاجسا مرضيا في تركيبة الشخصية الصهيونية . وهكذا تعزز منطق " الثكنة " وأعطيت صور الحرب والجيش الصهيوني والتفوق العسكري هالات مقدسة يصعب على أي كان من الصهاينة التجرؤ على اختراق خطوطها الحمراء. لقد اتخذ الكيان الصهيوني شكل الثكنة الاستيطانية المسلحة ، ليتطابق مع الوظيفة الامبريالية المناطة به في المنطقة ، الأمر الذي صبغ كل المؤسسات الصهيونية بهذه الصبغة الحربية، وجعل الجيش الصهيوني عمودا فقريا للكيان الصهيوني ، حيث لعبت المؤسسة العسكرية ليس فقط دور تطبيق الوظيفة الامبريالية ، بل انها تحولت إلى مؤسسة تربوية للتجمع الاستيطاني الصهيوني وأحد عوامل تماسكه ، وصارت ممر القادة الصهاينة نحو قيادة الأحزاب السياسية والكيان. لقد ظل الأمن الاستراتيجى الأعلى للكيان الصهيوني منوطا بتكريس عبادة القوة والعنف والحرب والاستعداد لها، وباستنفار التجمع الصهيوني بشكل دائم، فهذا الأمن يبقى مشروطا على الدوام بتكريس مبرر القيام بالوظيفة الامبريالية ، التي يرتبط بها استمرار الوجود الصهيوني في المنطقة . ولهذا السبب وضعت مسألة الأمن وهاجس الخطر الخارجي العربي في مركز كل نشاط سياسي واقتصادي في الكيان الصهيوني لتوجيه مخزون العنف والتوتر الداخلي نحوالعرب ، واحتواء التناقضات القومية والطبقية وخفض منسوب الأزمات والمشاكل البنيوية الداخلية وتعميق الوعي الاستيطاني واعطائه الأولوية على ما سواه ، وهدف هذا كله هوخلق مناخ سيكولوجي يستجيب لمتطلبات وآليات عمل المشروع الصهيوني ودوره الوظيفى كأداة وقاعدة متقدمة للعدوان في الوطن العربي. إذن " الأمن " الصهيوني ليس مجرد عبارة عابرة، فهويمس كل شؤون حياة وسياسة التجمع الاستيطاني الصهيونى في فلسطين ، كما أنه ذو صلة وثيقة بالجغرافيا ، والاستيطان، والقوة العسكرية ، وعلاقات الكيان الصهيوني الخارجية ، وهويساوي الوجود والمصير بالنسبة للصهيانة . ومبدأ " الحدود الآمنة " الذي يستند إليه نتنياهو لتأكيد ضرورة عدم الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967 هوجوهر الموقف الصهيوني التقليدي عموما. وهذا المبدأ: "مبدأ الحدود الآمنة التي يمكن الدفاع عنها من دون الاضطرار إلى شن هجوم مضاد مسبق " كانت قد اعتمدته نظرية الأمن الصهيونية عقب حرب العام 1967، وفي عهد حكومة حزب العمل با لذات. ويتمحور هذا المبدأ على ضرورة احتفاظ الكيان الصهيوني بعمق استراتيجي يكفل له قدرة التصدي لأي هجوم عربي مفاجئ قبل استكمال استدعاء قوات الاحتياط التي تشكل الجزء الرئيسي من قوات العدو النظامية البرية . هذا، وترفض المؤسسة العسكرية الصهيونية المقولة التي مفادها انه في عصر الصواريخ والأسلحة الحديثة الأخرى تفقد مسألة العمق الاستراتيجي أهيمتها الحيوية ، والسبب ، حسب المنطق العسكري الصهيوني ان الحروب الحديثة أثبتت عدم امكان احتلال أي أرض بالقصف الجوي أوالصاروخي أوغيره ، وان لا حسم ولا انتصار في الحرب من دون احتلال الأرض بواسطة القوات البرية . ورغم ان أحد الخلافات الرئيسية حول التسوية وأساليب تحقيقها في المنطقة بين العمل والليكود يتلخص في الخلاف بين أصحاب "نظرية الشرق أوسطية " التي تعني أبعادا قابلة للدفاع ، وليس حدودا قابلة للدفاع من خلال اتفاقيات تسووية تعقد مع العرب وعلاقات تجارية وأمنية وسياسية وعسكرية أي تحقيق الأمن الأعلى الصهيوني بواسطة " فرض السلام الصهيوني على المنطقة "، وأصحاب نظرية " الأمن القومي " أوما يعرف بتحقيق " السلام " الصهيوني بقوة التفوق الصهيوني وفرض الأمر الواقع على العرب دون الاضطرار لتقديم تنازلات اقليمية في مجال الأمن الصهيوني ، رغم هذا الخلاف ، إلا أن حزب العمل تمسك بالبعد الأمني للأرض في المفاوضات سواء مع عرفات ، أوعلى المسار السوري . وأعلن في أكثر من مناسبة أنه سيحتفظ بحدود نهر الأردن ومرتفعات الضفة والمستوطنات الأمنية في المفاوضات النهائية الفلسطينية لأسباب ذات صلة بالعمق الأمني الاستراتيجي . والأمر ذاته ظل محل جدل داخل صفوف حزب العمل حول مسألة الانسحاب (في) الجولان ، و لم يقدم المفاوض الصهيوني ، عمليا ، أي تنازل يذكر عن " أهمية احتفاظه بأرض الجولان السوري المحتل كعمق أمني استراتيجي "، وان كان قد ناور على هذه القضية لفظيا في مواقفه الاعلامية والتفاوضية . اذا الفارق المهم بين " الليكود " و" العمل " على هذا الصعيد هوايمان الأول بقدرة ميزان القوى على فرض حلول متناسبة مع الأمر الواقع . حيث يرى ، نتنياهو" القوة أداة وحيدة لممارسة السياسة "، وبعدها تأتي الوسائل والأدوات الأخرى التي ترتكز إليها الأمر الذي يمنح الكيان الصهيوني أمنا أعلى ، بينما يرى الثاني امكانية تقديم بعض التنازلات الاقليمية الهامشية لمنح الأمن الصهيوني أبعادا أخرى سياسية واقتصادية ، اضافة إلى بعد القوة العسكرية التي يصر حزب العمل على أن يظل الكيان الصهيوني متفوقا فيها على العرب مجتمعين ، وذلك كله يتحقق حسب حزب العمل من خلال مشروعه " للشرق الأوسط الجديد ". ان انتقاد " الليكود " لمشروع بيريز الشرق أوسطي لا ينطلق بطبيعة الحال من رفض هيمنة الكيان الصهيوني على اقليم " الشرق الأوسط " أمنيا واقتصاديا وسياسيا ، الأمر الذي لا بد أن يعني بالتأكيد مزيدا من تفتيت المنطقة وتحويلها إلى فسيفساء مذهبية وطائفية ، والعبث بهويتها وبوجودها القومي ومصالحها ومستقبل أجيالها ، ولكن الانتقاد الليكودي يوجه سهامه نحوما يسميه " لا واقعية هذا المشروع " ، وافتراضه ان " السلام سيجلب أمنا للكيان الصهيوني" وليس العكس . وتعتبر دعوة بيريز هذه غير مسؤولة بالنسبة لليكود ، ليس فقط لأنها خطيرة ، كما يقول اليمين الصهيوني ، ونكن لأنها تقوم على خطأ في محوريها الرئيسيين: المحور الأول: لأنها تعتبر أن الرأي العام العربي والانتلجنسيا العربية تخلت عن " نضالها التاريخي ضد الصهيونية " ، وان الكيان الصهيوني والعرب وصلوا إلي الحالة التي كانت عليها فرنسا وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية . حيث يقول الليكوديون أن الحقيقة هي غير ذلك فالعلاقات النفسية بين العرب والكيان الصهيوني شبيهة بالحقيقة التي تلت الحرب العالمية الأولى ، فبعد " معاهدة فرساي " لم يستطع أي طرف أن يرى ان " هذا السلام لانهاء كل الحروب " سينفجر بعد عقدين إلى أسوأ حرب عرفها العالم في التاريخ . يرى بنيامين نتنياهو أن " السلام " الممكن والحقيقي بين العرب والكيان الصهيوني لا بد أن يكون سلام "مجتمعات " ، وليس سلام "أنظمة ". وسلام " المجتمعات " هذا يحتاج إلى وقت طويل ، وإذا "ما وصل العرب في الجيل القادم إلى اعتراف عام بأن اسرائيل تقيم بأمان في الشرق الأوسط وأن مستقبلها البقاء فيه إلى الأبد ، يحتمل أن يحدث انقلاب بسيكولوجي في موقفهم من حق اسرائيل بالوجود... أنا مؤمن أن العرب لن يضربوا رأسهم في الحائط إلى الأبد، لكنهم إذا رأوا حائط الحماية ينهار (يقصد الأمن والقوة الصهيونية) إذا فقدت اسرائيل الثروات الحيوية لحمايتها ، فإن من شأن التقدم التدريجي نحوسلام عربي- اسرائيلي الذي تحقق في السنوات الأخيرة أن ينقلب في رمشة عين . هذا هوالخطر الكامن في اتفاق أوسلو وفي الاتفاق المقترح مع سوريا ، الذي قد يسلم حيطان الحماية في جبال يهودا والسامرة والجولان إلى أيد عربية ". أما السلام مع " الأنظمة العربية غير الديمقراطية " على حد وصف نتنياهو ، فلا يجوز أن يستند إلى " تنازلات مبالغ فيها ازاء أنظمة حكم طاغية ، فذلك يحقق العكس المطلق للمسالمة، ويشجعهم على المطالبة بالمزيد . في العلاقات مع أنظمة الحكم هذه يمكن تحقيق سلام مبني على الردع قبل كل شيء " . " ان انخفاض عدد الدول العربية التي تشن حربا على اسرائيل يرتبط بشكل مباشر بقدرة اسرائيل على اشاعة صورة دولة عظمى وصلبة . بقدر ما ترتسم اسرائيل كدولة أكثر قوة ، بقدر ما تزداد الفرصة ليوافق العرب على عقد سلام حقيقي معها، وبقدر ما يشاع عن ضعفها وترددها ، كذلك تزداد فرص الحرب ". ويضيف نتنياهو: " في الشرق الأوسط الأمن ( وهوقوة ردع مستندة إلى قوة حسم ) هو إذا عنصر حيوي في السلام ولا بديل له . سلام غير محمي لن يصمد وقتا طويلا. لكن هناك من يعظنا بدون انقطاع بأن الأمن الحقيقي هوالسلام ، أي تحقيق اتفاقات سلام رسمية مع جيراننا (...) في الشرق الأوسط مقولة " الأمن الحقيقي هوالسلام " هي بمثابة " وضع العربة أمام الحصان " وهي خطرة أيضا لأنها توهم الجمهور الاسرائيلي انه بالامكان تحقيق سلام حقيقي مع العرب بواسطة تنازلات بعيدة ، بينما ستبقى هذه التنازلات في الحقيقة اسرائيل دون أمن ودون سلام " . المحور الثاني: حول دعوة بيريز عن " الشرق الأوسطية " وهي دعوة تفترض أن ما هو قائم الآن في المنطقة سيبقى كذلك . ويتساءل الليكود ، " ماذا سيحصل إذا سارت مصر على الطريق الذي سارت عليه ايران ، وهذا أمر محتمل "، ويضيف: " نحتاج إلى حذر شديد ، ولهذا نرى أفكار بيريز متهورة بشكل مخيف " . (يستخدم الليكود هنا ورقة " الديمقراطية " ليمرر أفكاره السابقة الداعية لفرض الأمر الواقع في المنطقة من خلال سلام القوة ) ، ويرى نتنياهو أن " الطريق لتحقيق السلام هي تقوية الديمقراطيات واضعاف الديكتاتوريات " ويعتقد ان ذلك " هو جوهر الصعوبة في صنع سلام في الشرق الأوسط "، لكنه يقول: " بالرغم مع انني لا أؤمن بأنه من الممكن أن نصنع سلاما مع العرب ، ما لم تحدث انقلابات ديمقراطية، لكنه بالتأكيد يمكن أن نحقق سلاما معهم ، شرط أن يستند إلى ردع اسرائيلي مستديم. في الواقع لقد تقدمنا نحو وضع كهذا ، واتفاقات السلام مع الأردن ومع مصر والاتفاقات السياسية مع المغرب ، عمان، ودول أخرى هي تعبير رسمي عن هذا التقدم ".





اعادة ترتيب منطلقات " السلام " الصهيوني - الأميركي

مما سبق تبدو واضحة دعوة نتنياهو الصريحة لاعادة النظر في منطلقات عملية التسوية- التصفية الأميركية- الصهيونية في المنطقة ، والمقصود منطلقات مؤتمر مدريد ، أوما يسمى بـ " الأرض مقابل السلام "، حيث أعلن نتنياهو ذلك صراحة في برنامجه الحكومي ، وأثناء زيارته الأولى للولايات المتحدة الأميركية واعادة ترتيب المنطلقات للعملية التسووية ، هي مقدمة لاعادة نظر جذرية فيما تحقق من اتفاقات تسووية لاعادة تكييفها مع منطلقات الليكود " الأمنية " الجديدة ، ورصفا للطريق أمام أي مفاوضات أواتفاقات مقبلة سواء على صعيد المفاوضات النهائية مع عرفات ، أوعلى صعيد مفاوضات المسارين السوري واللبناني. لقد اصر نتنياهو في واشنطن على اعادة صياغة أطر عملية التسوية ، وعلى رفض " معادلة الأرض مقابل السلام " وتقدم بمجموعة مبادئ ومفاهيم ، بالأحرى منطلقات جديدة للسلام الصهيوني- الأميركي تقوم على دعائم ثلاث :- الأولى: " الأمن بمعنى الغاء ما يسميه نتنياهو بالارهاب " ، بمعنى ضرورة سلوك الأطراف العربية خطوات عملية لتصفية هذا " الارهاب " والوقوف في وجهه ، وجعل هذه القاعدة دعامة من دعامات المفاوضات. الثانية: ما يسميه نتنياهو بالتبادلية ، أوالتعامل بالمثل، ويقصد نتنياهو بذلك اعادة طرح مقولات " الحق التاريخي اليهودي " التي تتضمنها الأيديولوجية الصهيونية- التوراتية كمنطلق للمفاوضات والتسوية . أي أن الكيان الصهيوني يريد من هذه المفاوضات تحقيق ما يزعم أنه حقوق تاريخية يهودية له ، من قبيل التأكيد سلفا- على سبيل المثال- على حقه بالسيادة على الضفة الغربية والقدس ، وأن المفاوضات لا بد أن تبحث مسألة اعلان السيادة اليهودية هذه. الثالثة: الديمقراطية وحقوق الانسان، التي يريدها نتنياهو ورقة ضغط اضافية على الجانب العربي، لارضاخه لشروط السلام والأمن الصهيوني كما يفهمها. فالدول العربية هي " دول دكتاتورية "، ولا بد أن تمارس أميركا عليها الضغوط مثلما تفعل مع روسيا والصين وسواها من دول العا لم ، حيث يستغرب نتنياهو الادعاء (الغربي) بأن " العرب والديمقراطية لا يتطابقان " ليقول: " انه من دون ضغط صارم ومنهجي من جانب الغرب لن يكون ممكنا تطوير معايير ديمقراطية في العالم العربي " ، وهوبهذا يدعومؤيدي الديمقراطية في الغرب لتبني وجهة نظره التي تقول أن الشرق الأوسط لن تتحقق فيه الديمقراطية إلا عبر السلام المرتبط بالردع...؟!. تحت هذا الشعار يريد نتنياهو دفع الغرب لرعاية برنامجه لتمزيق نسيج الأمة العربية الواحدة ، إلى أقطار ضعيفة هشة وفسيفساء من الطوائف والمذاهب ، يكون الكيان الصهيوني القائد الاقليمي لها والقائد الفعلي للشرق الأوسط ، ليمى فقط من موقع قوته وتفوقه العسكري التقليدي، وما يملكه من أسلحة الدمار الشامل، بل من موقع قوة " السلام المفروض بالسلاح " على العرب. " وديمقراطية وحقوق الانسان " نتنياهو سلاح ذوحدين ، فهي أولا ورقة ضغط على الأنظمة الرسمية العربية لجرها للانصياع الكامل لسلام نتنياهو بكل تفصيلاته ومكوناته وتطلعاته ، لأنه بدون ذلك سيجري العبث باستقرار هذه الأنظمة ومستقبلها باسم الديمقراطية وحقوق الانسان والمذاهب والاقليات وهي، ثانيا، ورقة ضغط على المجتمع العربي وتدخل في الشؤون الداخلية للأمة العربية من قبل الغرب والكيان الصهيوني لتكييف المنطقة مع " السلام " الصهيوني المنشود. لقد كانت الادارة الأميركية سباقة إلى التأقلم مع مفاهيم ومنطلقات نتنياهو هذه ، حتى قبل أن يصل هذا الأخير إلى واشنطن في زيارته الأولى . فأثناء زيارة وزير الخارجية الأميركي كريستوفر التي مهد بها لزيارة نتنياهو للولايات المتحدة قال رئيس الدبلوماسية الأميركية " رغم أن الولايات المتحدة ما زالت ترى في مبدأ الأرض مقابل السلام أساسا للعملية السلمية ، إلا أنها تراه أيضا مبدأ عاما يتطلب تطبيقه اجراء المفاوضات ، ويجب على الأطراف المعنية تعديله . مما يتلاءم مع الواقع عندما يتم استئناف المفاوضات ". عندما وصل نتنياهوإلى واشنطن بدا وضاحا على الأقل، صمت الادارة الأميركية على محاولته نسف الأسس القائمة للعملية التسووية، وموافقتها على استبدال معظمها. لقد دعا نتنياهو العرب عشية هذه الزيارة إلى " التأقلم " مع الأمر الواقع، وسعى في واشنطن إلى " تكييف " سياسات الادارة الأميركية مع دعواته الجديدة وهذا ما حدث حقا، فقد أعلن كلينتون في نهاية لقائه بنتنياهو أنهما "بحثا في التهديدات التي يشكلها الارهاب على مصالح الدولتين، واتفقا على عقد أول اجتماع مشترك للمجموعة الأميركية- الاسرائيلية لمقاومة الارهاب ". أي دخول الكيان الصهيوني شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة في كل بقعة من اقليم الشرق الأوسط مع الحصول على تكنولوجيا ومعدات متفوقة تحت عنوان " الشراكة في مناهضة الارهاب ". وبدا واضحا أن كلينتون تماشى مع نتنياهو في زيارته حول مفهوم الأمن الذي سيكون أساسا جديدا لانطلاق " السلام الصهيوني- الأميركي ، وموقف نتنياهوالمدعوم أميركيا عبر عنه في خطاب تشكيل حكومته كمايلي: " ان الأمن هوالعامل الواجب تحقيقه بغية التقدم نحوسلام حقيقي مع جيراننا . وعلى الطرف الآخر أن يعلم أنه إذا أراد التقدم نحو هذا الهدف فعليه الالتزام بشدة بكل تعهداته، وعلى محاورينا أن يعلموا أنه إذا اقتضى الأمر فإن الجيش الاسرائيلي وأجهزة الأمن سيحظيان، حسب الحاجة ، بحرية عمل تامة ضد الارهاب ". أوكما قال نتنياهو في واشنطن واصفا ما أسماه " بالدعائم الثلاث لقواعد السلوك لتحقيق السلام في الشرق الأوسط "، معتبرا الدعامة الأولى هي " الأمن، وليس المفهوم التقليدي للأمن على الحدود، وإنما ذلك الذي يشترط وضع حد نهائي للهجمات الارهابية كشرط مسبق لمحادثات السلام ". كما ذكر كلينتون في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو يوم 9/7/ 1996 الماضي " سيكون تعاوننا العنصر الأهم في الجهد العالمي لهزيمة الارهاب "، ورد نتنياهو: " أشكرك للقرارات التي اتخذتها خلال هذه الزيارة لتحسين أمن اسرائيل ، وأعتقد أننا نتفق على ان هؤلاء المؤيدين للسلام يجب أن يظهروا التزاما كاملا في مكافحة الارهاب "، والأهم من ذلك أن الادارة الأميركية أيدت دعوة نتنياهو العرب " للتفاوض دون شروط مسبقة "، (مع أن نتنياهووضع العديد من الشروط المسبقة التي أيدت الادارة الأميركية الكثير منها)، حيث قال كلينتون في مؤتمره الصحفي المشترك مع نتنياهو: " أن الولايات المتحدة تعارض الارهاب في أي مكان، وأن هذا يمثل صعوبات في تحسين علاقاتنا مع سوريا على الصعيد الثنائي وبالنسبة لعملية السلام ، لدينا موقف محدد بالنسبة للارهاب وسنحافظ عليه ، وان كان ذلك يعني دفع الثمن بين وقت وآخر . وثانيا، أريد أن أجري اتصالات مع الرئيس الأسد، ربما على الهاتف، اما أنا وغيري- فنحن على اتصال دائم بالنسبة لعملية السلام ، وأنا بناء على هذا الاجتماع، أريد أن أعيد التأكيد أنه يجب أن تتم المحافظة على الاتصالات مع سوريا لمناقشة السلام من دون شروط مسبقة ".






برنامج نتنياهو

من الواضح أن نتنياهو يعتبر استمرار الاحتلال الصهيوني للأراضي العربية المحتلة عام 1967 " عنصرا أساسيا من عناصر السلام "، والأمن في عرف نتنياهو هو أمن الاستيطان الصهيوني في كل مكان " في القدس أوالخليل أوتل أبيب أوالجليل والنقب في كريات شمونه أوكفار داروم (في غزة) ، أوفي الجولان " . يقول نتنياهو: " لدينا شباب رائع مستعد للتجند للمهام القومية ونحن سنشجع هذه الروحية (أي الروح العسكرية) ، سوف نشجع الاستيطان الطلائعي في أرض " اسرائيل " في النقب والجليل، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة والجولان " ، واعدا في نفس كلمته التي عرض فيها برنامجه الحكومي أمام الكنيست الصهيوني يوم 15/ 7/ 1996 ببقاء القدس موحدة تحت سيادة " دولة اسرائيل "، و". بمواصلة واكمال المشروع الصهيوني ". إن الجديد في برنامج الليكود ، وحكومته التي أسماها نتنياهو حكومة الطريق الجديدة " هو" ايقاف أي تنازلات "، الأمر الذي يعني عمليا تجميد أي انسحابات ، وتوسيع الاستيطان، واعتبار الحكم الاداري الذاتي هوالحد الأقصى ، ورفض قيام دولة فلسطينية ولوكانت تابعة، والتعاون مع النظام الأردني في حكم الضفة الغربية ، واعطاء حرية الحركة للقوات الصهيونية في مناطق الحكم الذاتي، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بالتوطين خارج فلسطين طبعا، وبأموال عربية ودولية (التعويض) ، ومواصلة احتلال الجولان، وتجميد المفاوضات مع سوريا، ومحاولة زرع الفتنة بين لبنان وسوريا من خلال خطة " لبنان أولا "، تمهيدا لعمل عسكري في لبنان، واحتمال توسيع الشريط الحدودي ، وفرض وقائع جديدة بقوة الأمر الواقع. ان هذه الخطوط العريضة لبرنامج حكومة نتنياهو هي اعلان حرب ضد الأمة العربية بأشكال مختلفة، وهذا البرنامج يطرح عددا من الاحتمالات المفتوحة، ويتضمن خطة لتصعيد الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية ضد دول الصمود العربي والقوى العربية المقاومة في الفترة المقبلة ، وتوظيف ذلك لصالح الحل الأميركي- الصهيوني . ومن أجل التعرف على أولويات حكومة نتنياهو، والاحتمالات الواردة في العديد من المجالات بسببها لا بد من التطرق بإيجاز لتفاصيل برنامج حكومة الليكود واليمين المتطرف تجاه الموضوع الفلسطيني، واتفاقات أوسلو، وتجاه سوريا ولبنان، والأردن وباقي الدول العربية.


أولا: اتفاق أوسلو منذ اللحظة الأولى لوصوله لرئاسة الحكومة الصهيونية لم ينقص بنيامين نتنياهو الوضوح الكامل تجاه اتفاق أوسلو، ومنفذي سياسات العدو من خلال ما يسمى بسلطة الحكم الذاتي. لقد كان واضحا أن نتنياهو سيسعى لابتزاز عرفات حتى الرمق الأخير من أجل توظيفه بالكامل لصالح مخططه تجاه القضية الفلسطينية . ولن يستطيع عرفات مقاومة مثل هذه الضغوط الصهونية أبدا ، وسيجري تحويله إلى عميل صريح لا يتجاوز دوره ووظيفته في فلسطين دور العميل انطون لحد في جنوب لبنان ، ناهيك عن إمكانية توظيفه للتخريب خارج الوطن المحتل أمنيا وسياسيا. كل هذا يجري باستخفاف وتجاهل واضح من نتنياهو لعرفات وسلطته التابعة وتحت سيف التهديد الصريح بعدم استكمال تنفيذ ما اتفق عليه في أوسلو 1 وأوسلو 2، وحتى عدم دخول المفاوضات المسماة نهائية . التعبير عن الاستخفاف والتجاهل كان في البداية بتخفيض مستوى الطرف الصهيوني المحاور لعرفات إلى مستوى مستشار نتنياهو ، ورفعه بعد ذلك إلى مستوى وزير الخارجية ديفيد ليفي ، ليصبح للقاء نتنياهو بعرفات ثمنا غاليا لا بد من دفعه فيما بعد ، وهذا ما حدث فعلا. ومن الواضح أن نتنياهو سيعيد صياغة اتفاق أوسلو لينسجم مع المنطلقات الجديدة للسلام الصهيوني وهذه التعديلات هي التالية:- أولا: تمكين الجيش الصهيوني من العمل بحرية مطلقة داخل مناطق الحكم الذاتي ، وفي كل الضفة حتى نهر الأردن ضد ما يسميه نتنياهو بؤر الارهاب . ثانيا: الزام سلطة عرفات التابعة بالوفاء بكل تعهداتها بقمع القوى الفلسطنية المناضلة في الوطن المحتل . فهذا شرط ملزم ودائم لمواصلة المفاوضات معها، كما انه شرط لتخفيف الحصار والشلل والخنق الاقتصادي لمناطق الحكم الذاتي التابع. ويشترط نتنياهو لذلك ما يسميه " تعهدا دائما من جانب الفلسطينيين بتجنب الهجمات الارهابية " . ثالثا: التراجع عن اعادة الانتشار في الخليل ، لأسباب يصفها نتنياهو بأنها أسباب أمنية، وطبعا لأسباب توراتية واستيطانية ، وهذا ما أكده نتنياهو بعد لقاءه بعرفات حيث اعتبر الخليل يهودية وانها أرض توراتية مقدسة . رابعا: الاصرار على مواصلة الاستيطان في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وكما جرت الاشارة، السعي لزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين لاستكمال تهويدها أرضا وشعبا. ويطالب نتنياهو بـ " المحافظة على الخدمات المطلوبة لوجود المستوطنات اليهودية. بما في ذلك خدمات المياه والبنية التحتية لكي نمنع خنقها بأيد السلطة الفلسطنية. ان الوجود اليهودي في المنطقة هوالضمانة الوحيدة ضد اقامة دولة فلسطينية " . وفي مؤتمره الصحفي المشترك مع كلينتون قال نتنياهو : " قدمت للرئيس ووزير الخارجية بعض الاحصائيات خلال السنوات الأربع الماضية ، أي في ظل حكومة حزب العمل ازداد عدد الاسرائيليين في يهودا والسامرة وغزة بنسبة 50 في المائة ، أي بمعدل عشرة في المئة سنويا. هذه زيادة طبيعية ، ولا أقول إنه يتوقع منا أن نقوم بعمل أقل مما قامت به حكومة العمل . أما بالنسبة إلى اقامة مستوطنات اضافية ، فهذا شيء لا أرفضه الآن ، لكن الخط والقرار أي كيف ومتى وأين ، فإنه أمر علينا أن نناقشه أنا وزملائي وأن نتوصل إلى قرار ". وواضح أن نتنياهوسيسعى من خلال تعزيز الهجرة والاستيطان إلى احياء الحلم الصهيوني بتحويل فلسطين إلى مركز روحي ليهود العالم والمسيحية المتصهينة المتحالفة مع الكيان الصهيوني . خامسا: " المحافظة الصارمة على وحدة القدس تحت السيادة الصهيونية " ووقف ما يسميه نتنياهو بـ " القضم في مكانة قوة اسرائيل، بما في ذلك فرض حظر على انشاء مؤسسات لمنظمة التحرير الفلسطينية أورفع أعلام داخلها " . ويعتبر نتنياهو أن سلطة عرفات التابعة انتهكت " أوسلو" في قضية القدس " لأنها لا تزال تحتفظ . بمكاتبها ونشاطها السياسي في القدس ، أننا نتوقع من السلطة الفلسطينية أن تتوقف عن هذا النشاط ". وكما هومعروف فقد استجابت سلطة عرفات التابعة لهذا الشرط في وقت لاحق. وبالطبع فإن موضوع القدس لن يكون مطروحا للتفاوض أبدا في المفاوضات النهائية، ويتهم حزب الليكود حكومة العمل السابقة بأنها ضمنت اتفاق أوسلو بندا عن القدس، " ووافقت على مشاركة عرب القدس الشرقية في انتخابات الحكم الذاتي في الضفة وغزة ، واعطاءء حق للجانب العربي في المشاركة في القرار المتعلق . بمستقبل القدس "، كما يقول اس�


الأخ أبو خالد العملة .. يتحدث في ندوة سياسية بمخيم اليرموك ضمن الاسبوع السياسي والثقافي التي تقيمه حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " بمناسبة الذكرى العشرين لانطلاقة " فتح " والثورة الفلسطينية تحدث الأخ أبو خالد العملة عضو القيادة المؤقتة لحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " يوم 8/1/1985 في ندوة سياسية اقيمت في مجمع الخالصة بمخيم اليرموك حول " التطورات الراهنة والمهام الوطنية المقبلة " وقد بدأ الأخ أبو خالد حديثه بعد ان رحب بالأخوة الحاضرين وقال : إنه لمن الضروري ونحن نستعرض الأزمة الوطنية الفلسطينية أن نرى الواقع الفلسطيني في سياقه القومي العام .. ماذا يجري على ساحة وطننا العربي .. على جبهة أصدقائنا واعدائنا ..؟ وأين تقف الثورة اليوم من الصراع الجاري واستهدافاته في المنطقة .؟ وبالتأكيد ، فإن المرور المكثف على مجمل مسار العمل الوطني وفهمنا لما يجري على ساحة وطننا مهّم لرسم الواقع الراهن ، - وبالضرورة - ، لنصل إلى تشخيص هذا الواقع معاً في ساحتنا الفلسطينية والعربية . لنحاول أن نجبيب على مهامنا الوطنية والقومية في مواجهة هذا الهجوم الامبريالي الفاشي الذي يستهدف السيطرة والهيمنة على وطننا العربي . - وبدون شك - فإن الأزمة الراهنة ليست وليدة ما جرى في عمان مؤخراً بالنسبة للساحة الفلسطينية ، وليست نتيجة للمسلك السياسي للقيادة المتنفذة في م. ت. ف . إن مايجري الآن هو تتويج لمسار عمره سنوات طويلة ، بدأ عندما سقط خيار التحرير من ذهن هذه القيادة .. عندما سقط خيار الكفاح المسلح كرؤية استراتيجية لحسم التناقض التناحري بيننا وبين الكيان الصهيوني . . عندما سقطت هذه الخيارات من ذهن شريحة من الثورة بدأت تعكس نفسها على مجمل العمل الفلسطيني ، وكان ما جرى في لبنان على جبهة الأعداء أيضاً تتويجاً لمحاولات تطويع حركة الجماهير العربية ، وترتيب الوضع على الساحة العربية بما يتلاءم والبرنامج الامبريالي للمنطقة العربية ، وجاء ضمن منعطف تاريخي بدا فيه وكأن القدر الأمريكي لا يقاوم ، عندما شّن عدوانه عام 1982 لتطويع الحلقة الأخيرة على ساحة الصراع المباشرة في لبنان بالبعد الفلسطيني - السوري - الوطني اللبناني كحلقة اعتراض أخير في مواجهة البرنامج الأمريكي على اعتبار أن ماجرى على ساحة الوطن العربي قد رتب وانخرط عبر ما أسموه بدول الإجماع الاستراتيجي وما أنجزته الامبريالية من تعاون استراتيجي مع الكيان الصهيوني .

ويتابع الأخ أبو خالد حديثه متناولاً معركة صمود بيروت فقال : " طبعاً من الدروس العامة الايجابية لهذه المعركة أن عرفات قد كشف أوراقه بالكامل في بيروت وأنه كان على استعداد كامل للخروج تحت علم الصليب الأحمر الدولي بعد الاسبوع الاول للمعركة ، ماعدا ذلك ، القبادات الوطنية المرتكزة على العمل الجماهيري الذي تجاوز حدود الانتماء إلى الثورة والحركة الوطنية اللبنانية والجماهير الفلسطينية - اللبنانية ، طبعاً ليس كل المقاتلين في بيروت قاتلوا ، لكن هذه الجماهير التي امتلكت جزءاً من حريتها وامتلكت السلاح هي التي قاتلت الغزاة على أبواب بيروت لمدة ثلاثة أشهر ، هذا شيء مهم لنا ولكل المناضلين العرب بمعنى أنه قد تبيّن أنه يمكن مواجهة الآلة العدوانية إذا ما أعطيت جماهيرنا حريتها ومارست دورها في عملية الصراع والمواجهة ، أيضاً بدأنا نرى أن عرفات ما دام لديه هذا الاستعداد لتبديد الجهد الوطني وهدره عبر كل هذا الصراع الطويل والسنوات لابد من مواجهته والانتقال من دور المعارضة له إلى المواجهة ، بالفعل كان في بيروت صراع مع "شارون " على أبوابها ومع النهج المساوم الذي كاد أن يحدد موقفه عبر ورقة مكتوبة باعترافه بقرار 242 الذي طرحه الملك حسين مؤخراً في اجتماع عمان .. " ثم تحدث الأخ أبو خالد عن الحوارات الجارية في الساحة الفلسطينية من اجل تشكيل الاصطفاف الوطني المناهض لنهج عرفات ، وأهمية وحدة القوى الوطنية الديموقراطية من اجل إنقاذ الساحة الفلسطينية من هذا النهج الخياني ، ثم أشار إلى مجلس عمان الخياني قائلاً : " ما جرى في عمان ليس قضية شكلية أو دستورية إنما هي قضية سياسية تحدد جوهر وأبعاد هذه القيادة التي تمثل فعلاً شريحة خرجت من " م . ت . ف " على قاعدة الاستفادة من وزنها التاريخي الوطني عبر وجودها فترة من الزمن على رأس العمل الوطني الفلسطيني ، هذا الجانب المعنوي المرتكز على ماكينة إعلامية مضللة لجماهيرنا وأيضاً عبر التضليل الذي مورس على جماهيرنا عبر المواقف الانتهازية على الساحة الفلسطينية ، هذا الموقف الفلسطيني المرتكز على بعد عربي - رجعي ، مرتكز على مجمل التراجع العام في المنطقة العربية فالقوى الوطنية الثورية على الساحة العربية تعيش معركة دفاع استراتيجي ، معركة طويلة ، معركة خلق توازن جدي يحتاج إلى زمن وإعداد على قاعدة الصراع الذي قد يأخذ به أحياناً بعض السمات الهجومية ، إنما جوهره دفاعي ، بمعنى أن على كل القوى الثورية أن توقف تعميم البرنامج الامبريالي في بلادنا " . ثم تحدث الأخ أبو خالد عن الانجازات التي خلقتها قوى التحالف الفلسطيني ، السوري ، الوطني اللبناني فقال :

" جرت بعد الانتفاضة داخل حركة " فتح " على ساحة لبنان مجموعة من المعارك استهدفت القوى الفاشية الكتائبية التي كانت القوى الامبريالية والصهيونية تعدّها لدور الهيمنة على لبنان ، ومواجهة قوى الاطلسي على ساحة لبنان وكذلك الوجود الصهيوني على ساحة لبنان أنجزت انتصاراً للقوى الوطنية اللبنانية الفلسطينية السورية ، انجازاً كان جوهره اسقاط اتفاق 17 أيار أي إلغاء إمكانية إلحاق لبنان بكامب دافيد ، وبالتالي . خلق آفاق لنهوض وطني ثوري عربي على مواجهة هذا البرنامج الأمريكي وما بين هذا الانتصار والحركة السياسية الجديدة لعرفات على ساحة الاردن كانت هناك تطورات جرت داخل الكيان الصهيوني بما يعنيه ذلك من انعكاس لأزمة العدو داخل لبنان على وضعه الداخلي ، وكذلك ما جرى من انتخابات في الولايات المتحدة أعادت ريغان إلى السلطة مع ما يمثله من استعداد للإستمرار في نهجه العدواني ليس فقط في بلادنا إنما على ساحة العالم أيضاً ونرى الإعداد فعلاً في شن هجوم معاكس يستهدف تعميم كامب ديفيد على ساحة الاردن والساحة الفلسطينية هذا الذي جرى على ساحتنا والذي يجري الآن على ساحة الوطن العربي عبر جبهة اعدائنا بما فيها الركيزة الأخرى الرجعية ، ولاستيعاب الأزمة التي حاولت القوى الوطنية العربية تصديرها إلى جبهة الأعداء ، يحاولون من جديد إعادة تصديرها لنا عبر إخراج البرنامج الأمريكي الصهيوني من مأزقه بمحاولة جرّ البعد الفلسطيني مع نظام عمان للانخراط بهذا المشروع . اعتقد أن هذا الذي يجري ليس همّاً فلسطينياً فقط ، وليس مواجهة قضية تتعلق فقط ، بقضيتنا ، أين يقف عرفات ، انما يتعدى ذلك إلى إعداد أنفسنا في الثورة الفلسطينية والقوى الوطنية الأردنية ، والقوى الوطنية اللبنانية - الفلسطينية - السورية على الساحة اللبنانية التي لم تنته بعد من ان يكون الاحتلال الصهيوني في موقع مواجهة هذا الهجوم واسقاطه على ساحة الاردن وان تستكمل الهدف المركزي الكبير وهو دحر الاحتلال من ساحة لبنان . من هنا وأمام هذا التماسك لجبهة أعدائنا بدءاً من الحلقة الفلسطينية التي تبلورت طبقياً ، فليس صحيحاً ان من كان في عمان " الغالبية منهم " لايدركون مصالحهم ، انهم بالضبط يدركون مصالحهم ، هذا التركيب المنسجم مع مصالحه انما ماهو غير متبلور يحمل بجانباً من مأزقه هنا في الصف الوطني في القوى الثورية بصدد المواجهة للحلقة الرجعية الفلسطينية العربية وأعدائنا ، يستوجب منا بالفعل أن نقف لنحدد كيف نواجهه على صعيد بنيوي تنظيمي وسياسي وتحالفات وتوجهات ومهام وصولاً إلى تجاوز ما يسمى بأزمتنا الراهنة ، الأزمة أعمق من شكلها الراهن ، الأزمة التي نواجهها في ساحتنا الفلسطينية أزمة مركبة أزمة فكرية سياسية تنظيمية لايمكن الإجابة عليها بالمعنى الشكلي وإنما في سياقها التاريخي ، سياق تطور قوانا نعم نحاول ان نجيب عليها عبر قناعتنا ومحاولتنا بلورة أداة ثورية تجيب على المعضلة هذه ليست رغبة او قراراً إنما انعكاس لهذا التشكل الاجتماعي الذي يعبر عنه بأداته السياسية القادرة على تجاوز مأزقها وأزمتها ، إنما وطنياً ما يواجهنا اليوم من مواقع مواقفنا المختلفة خارج الشريحة التي انحازت بالكامل إلى معسكر أعدائها معنيون أن نقف نبلوّر فهماً سياسياً يجيب على المعضلة التي وصلنا إليها اليوم لأن ما وصلنا إليه اليوم مثلما قلنا فقط انعكاس لما جرى في عمان بالأمس أو بعد غد إنما جاء عبر سياق زمني أكبر بكثير حتى من حرب تشرين في ذهن بعض قيادة منظمة التحرير ، جاء أكبر عندما سقط كما قلت خيار التحرير خيار الثورة التي تدرك طبيعة الصراع في بلادنا وتدرك التناقض وكيف يحل هذا التناقض ، اسقطت من خيارها هذا الفهم وبالتالي اسقطت مشروع الثورة من ذهنها ، وبالتالي لديها امكانية التفريط بالقضية من هنا نحن معنيون أن نقف عند السياسات بكل تعبيراتها في ساحتنا الفلسطينية لنستخلص التوجهات الأكثر جدّية مع جماهيرنا الفلسطينية العربية ، لنستخلص الدروس بعلاقاتنا مع حركة التحرر العربية لأنه دون أن نحدد بالضبط كيف نرى التحرير وعبر أية أشكال وعبر أية قوى ، لايمكن ان تحدد تماماً الرؤى السياسية والتوجهات الجادة لنسج علاقات متطورة باستمرار من أجل إنجاز مثل هذه الأهداف أيضاً هذه الرؤية تحتاج إلى أداة في إطار م . ت . ف كإطار جبهوي لكل القوى التي تقترب عند حدود فهمها وقناعاتها من ميثاقنا الوطني وبالتوجه السياسي الهادف إلى تحشيد جهدنا مع جهد جماهير أمتنا من أجل مواجهة أعدائنا وعلى قاعدة التحرير هذا يحتاج إلى فهم مختلف عن المرحلة الماضية حول طبيعة العلاقة الديموقراطية في هذا الإطار الجبهوي الذي أسمه م . ت . ف مستنداً إلى هذا الفهم السياسي وبالتالي كيف نتعاطى بالفعل مع كل التعبيرات التي أسيء العمل فيها بجانبها العسكري ، بجانبها المسلكي ، بجانبها المالي بكل التعبيرات التي خلقت في مرحلة معينة قطاعاً من المفسدين ، قطاعاً من المثقفين غير الثوريين ، من الانتهازيين ، كيف نقف لنجيب على الظاهر المرضية لنتجاوز هذه الظواهر المريضة ، لنبني واقعاً مادياً قادراً على مواجهة التحديات الكبيرة . وعن الدعوات إلى الحوار الشامل قال الأخ أبو خالد : نستهجن تماماً المواقف التي تتحدث حول المجلس التوحيدي .. مع من ؟ بصراحة هذا المنطق غير صحيح المنطق الذي يتغلف باسم التكتيك ، نحن مع التكتيك الصائب لا يوجد عمل ثوري دون تكتيك لكن أي تكتيك ؟ تمّ زرع ألغام ، زرع مفاهيم وأوهام عبر سنوات طويلة باسم التكتيك ، واوهام وصلت إلى حد أن الخيانة وجهة نظر ، أصبحت هناك مدرسة ، من يتحدث بالموقف الوطني ، بموضوعة التحرير ، مغامر وعدمي . في الحقيقة أن هذا المنطق ليس له علاقة لا بالعلمية ولا بالثورية ، هذا الموقف في أحسن حالاته ، موقف انتهازي ، يقف ذيلياً لهذا اليمين الذي نسميه انحرافاً ووصل إلى حد الخيانة ، الحوار المفترض بين الوطنيين تتباين وجهات نظرهم ، آراؤهم ، في كيفية الإجابة على المعضل الوطني ، إنما من الموقع المخلص لقضايا شعبنا . نعم حوار وطني هادف لتطوير هذا الجهد ، بالقاسم المشترك الذي لايضرب ثابتاً من ثوابتنا ، في قراءتنا لطبيعة الصراع وموضوعة التحرير ، إذا أسقطنا أي ثابت من هذه الثوابت لم يعد ولن يكون تكتيكاً إنما ضرباً لرؤيتنا الاستراتيجية التي نحن معنيون بإعادة الاعتبار لهذه المفاهيم على قاعدة دحض كافة المفاهيم الضارة والخاطئة التي سادت مرحلة زمنية ليست قصيرة في ساحتنا الفلسطينية وساحتنا العربية إذا كان التحرير على قاعدة فهمنا للصراع ، فهمنا لأعدائنا ، فهمنا لهذا الكيان الصهيوني واستهدافاته يقال عنه مغامراً عدمياً أو انقلابياً كما جرى في الساحة الفلسطينية هذه الاصطلاحات ، انقلاب على نهج ، انقلاب على المنطق الذي أصبحت انتهازية فاعلية إلى حد الاسهام في الانحراف الجاري في الساحة الفلسطينية . نحن نقول ومن موقعنا في سياق احتفالاتنا بذكرى الثورة ، بذكرى الانطلاقة نقول إن هذا الهم الوطني ليس هماً لفصيل أو تنظيم ، إنما هو همّ وطني لمن انتمى للثورة ولجماهيرنا التي يحسّها قادرة على معرفة أين الانحراف أو أين الوطني وغير الوطني ، نحن معنيون فعلاً أن نكون صوتاً صادقاً لجماهيرنا ، نتفاعل معها على قاعدة ان نصل من موقعنا كطليعة لنضالنا وجماهيرنا إلى تطابق فهمنا لمصلحتنا وإرادتنا لمواجهة أعدائنا من اجل إنجاز مهامنا لمصلحتنا وإرادتنا ، هذا الطرح ماذا يعني في اللحظة الراهنة ؟ واستطرد قائلاً عن الوضع الراهن ومهماتنا في الساحة الفلسطينية . " في هذه اللحظة ، وبعد ان عقد عرفات مجلسه بعمان ، عرفات شكّل كما قلت إطاراً يمكن القول عنه كل شيء إلا منظمة تحرير ، التحالف الوطني غدا توجهات بالحوار مع كل القوى الفلسطينية مع كل الهيئات ، ومع كل الشخصيات التي يهمها بالفعل حماية م. ت. ف ومنجزاتها هذه المنظمة المهمة لشعبنا وجماهيرنا كإنجاز هام كيف نحافظ عليها وننقذها .. للأسف كنا قد تعاطفنا عبر انعقاد مجلس عرفات في عمان مع بعض أطراف التحالف الديموقراطي ، فالموقف واضح في ذهنهم مع تمايز حتى اللحظة مرشح بتقديرنا للانتقال خطوة افضل وهو موقف الجبهة الشعبية . ولكن على الأقل كما أفهم رفاقنا في الجبهة الشعبية فإن هذا الموقف مرشح لأن يكون أكثر وضوحاً وافضل مما هو الآن على قاعدة تحشيد الجهد الوطني ، ويجري الحوار حول الشكل المناسب ونحن حتى في التحالف الوطني قد نتباين في تحديد الصيغة أو الشكل الذي من شأنه الإجابة على المعضلة الراهنة ، نختلف ونتباين في الاسلوب والتكتيك إنما في الجوهر نحن مختلفون على أية قضية وهذا ليس فقط في التحالف الوطني وإنما أيضاً مع الأطراف الثلاثة التي تحدثنا عنها وهم رفاقنا في المجلس الثوري والحزب الشيوعي الفلسطيني( القيادة المؤقتة ) وجبهة التحرير الفلسطينية إنما ما نعتقده داخل " فتح " إن الإطار الذي سبق وإن اتفقنا عليه حتى لانشكل منظمة بديلة أو موازية كما يقول البعض ، الإطار باسم القيادة الفلسطينية والتي عادة موجودة بالعرف تتشكل من رئيس المجلس الوطني الفلسطيني وأعضاء اللجنة التنفيذية والأمناء العامين لفصائل الثورة ، هذا الإطار كي يتحمل مسؤولية وطنية يرتكز على أوسع تحشيد وطني مثلاً بكادرات وقواعد الفصائل الفلسطينية عبر إطار قد لانختلف على تسميته ، وقد طرحنا في التحالف الوطني أفكاراً للمناقشة سميناها الهيئة المشتركة للإنقاذ على اعتبار أن البعض يطرح جبهة ومنظمة التحرير بحد ذاتها جبهة ، جبهة في الجبهة ! ! هيئة طبعاً تضم الفاعليات الوطنية ، والشخصيات الوطنية ، هيئات المنظمات الشعبية التي ممكن أيضاً إنجاز مؤتمراتها ، ترتيب أوضاعها ، الاشراف على المؤسسات ، وعلى دوائر منظمة التحرير ، بمعنى الإعداد الوطني لمجلس وطني يجيب على المعضلة الراهنة ، ببعدها السياسي والتنظيمي اختيار هيآتها القيادية التي تستوجب المرحلة بالفعل قيادة امينة ، قيادة غير مقيدة بهذا الشكل أو ذاك بهذه الفقرة أو تلك ، انما عبر برنامج سياسي واضح عبر علاقات جبهوية فيها هذه السمة الديموقراطية التي تتجاوز الهيمنة إلى هيئة قيادة بالفعل قادرة على ترجمة مهامها ودفع هذا الجهد الوطني باتجاه الصراع بشكل سليم وصحيح دون هدر لهذا الجهد الوطني والعبث بين فترة وأخرى بهذا الدم الفلسطيني . نحن معنيون أمام المعضلة بالوصول إلى الصيغة المفتوحة للمناقشة مع أي طرف فلسطيني يقف عند حدود المرحلة مستفيدين من هذه التجربة ، وليس إمتداداً لها بمعنى آخر نكون فعلاً مجرمين بحق شعبنا إذا اعدنا إنتاج " م . ت . ف " على نفس السياسات ، على نفس العلاقات على نفس المفاهيم ، فعلاً نكون مجرمين نهدر جهدنا الوطني بعد سنة أو سنتين أو ثلاثة أو أربعة ، من هنا معنيون بأن نقف أمام السياسات التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه . بكل ما يعنيه الوضع الجبهوي واختيار القيادة القادرة وإعادة ترتيب أوضاع " م . ت . ف " ومؤسساتها وبنيتها حتى نكون فعلاً أداة للتحرير وليست أداة للمساومة والتفريط بالقضية والثورة . من هنا نقول لا إتفاق عدن ولا الدورة 16 ولا كل هذه القضايا تشكل الحل بكل صراحة ، فليحاولوا إقناعنا عبر ذلك ، اليسار الفلسطيني الذي كما يقولون يتحلى بالعلمية والثورية أين ومتى استطاعوا لجم اليمين أو التأثير على سياساته ، بكل صدق نقول أن هذا اليسار كان يقنع نفسه أنه له دور في رسم هذه السياسات فإذا كان جزءاً من هذه السياسات فهذا يعني شيئاً خطيراً بالفعل لأن سياسات المنظمة هي التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه فإذا كان جزءاً منها فبالضرورة ان ما يجري الآن على الساحة هو انسجام لهذا الموقف ذاته . أما إذا كان عكس ذلك ، والآخرون يحاولون وضع فاصلة هنا أو هناك فنحن معنيون عبر خروج اليمين الذي يخون القضية من موقع الثورة ، من موقع منظمة التحرير إلى الموقع المضاد ، معنيون بأن نعيد رسم سياساتنا ، علاقاتنا التي فعلاً تستطيع حشد هذا الجهد الوطني كفانا أمام ما نقرأه وما نراه لاعدائنا الذي تجاوز برنامجهم حدود فلسطين ، وجغرافيتها ، وسكانها إلى حدود استعداد أمتنا ، إلى حدود بالفعل فرض كيف تكون ، كيف يصوغ مستقبلها كلاً ، نحن نقول أمام المرحلة ، المنعطف الذي نعيشه الآن ، معنيون أن نسهم مع كل الأخوة على ساحة وطننا العربي وسوريا ، من خلال موقعها موضوعياً ، من خلال فهمنا لاستهدافات ، والتي تستهدف سوريا ، كموقع مواجهة ، تقف سوريا الآن مع الثورة الفلسطينية ، مع القوى الوطنية اللبنانية ، مع القوى الوطنية الاردنية في مواجهة الحلقة المعادية ، سواء على ساحة لبنان أم على ساحة الأردن . إن هذا لايعني على الإطلاق أن لانطوّر قوانا ذاتياً ، من موقع الثورة من موقع قوة حركة التحرير العربي ، حتى نواجه هذا البرنامج الذي يستهدف صياغة مستقبلنا كلاً ، نحن يجب أن نصوغ هذا المستقبل . واعتقد ومهما حاول الرجعيون في بلادنا والأمريكيون أن ما يجري على ساحة خارطة العالم قد يكون لهذا الحضور الأمبريالية في هذه الساحة أو تلك بعض التقدم إنما السمة الأساسية التي تحكم هذه المرحلة التاريخية . هي أن قوى التقدم في العالم هي التي تشق طريقها وتحاصر هذا المد الإمبريالي . وتمم الأخ أبو خالد حديثه قائلاً : " في بلادنا نرى أيضاً ملامح النهوض وإن كانت خارطة هذا الوطن مليئة ، لكن هم لايحملون مقومات البقاء أمام ما يجري من تفاعل داخل جماهيرنا العربية . ومن هنا نحن متفائلون تماماً بإمكانية التطور الجارية على ساحتنا ، على ساحة وطننا العربي ، في تحقيق انتصارات جديدة لحركة التحرر الوطني الفلسطيني وحركة التحرر العربية وانها لثورة حتى النصر ... وفي نهاية الندوة أجاب الأخ أبو خالد على الأسئلة والاستفسارات التي وجهت إليه على النحو التالي : س : كما نعلم أن ياسر عرفات عقد مجلسه في عمان وتنازل عن الكثير ، ولكن ماهو الرد الثوري والعملي الذي يتناسب وخيانة عرفات أرجو التوضيح بصراحة . الأخ أبو خالد : أعتقد أنني أجبت على هذا السؤال في سياق الحديث ، إننا بصدد الحوار الهادف مع كل القوى بغية الوصول إلى الصيغة العملية التي نعتقد انها تجيب على المعضلة ، وإذا كان السائل يريد أن يعرف كيف نفهم هذا الموقف على صعيد حركة ( فتح ) فنحن نعتقد أنه لابد أن نصل مع الأطراف الوطنية الفلسطينية إلى تقاطع يخدم بالفعل التوصل إلى مثل تلك الصيغة ، لكن دون اسقاط أي ثابت من الثوابت بمعنى ينبغي إيجاد إطار جبهوي قد يأخذ إسم الجبهة الوطنية أو هيئة الإنقاذ ولها قيادة هي القيادة الفلسطينية التي تضم الأمناء العامين للفصائل بالإضافة إلى رئيس المجلس الوطني واعضاء اللجنة التنفيذية الذين لم يشاركوا في " مجلس عمان " وعلى هذه القيادة أن تتحمل فعلاً لا قولاً مسؤولية قيادة العمل الوطني الفلسطيني .. لتشكيل بديل لنهج الانحراف والخيانة . المطلوب أن نعيد الاعتبار للثورة ولمفهوم الثورة على قاعدة فهّم جدّي للكفاح المسلح ، آخذين بعين الاعتبار تجربتنا والمطلوب من تجسد هذا المفهوم بالملموس وإلا سيظل عرفات - حتى من موقع خيانته يتحدث باسم منظمة التحرير . علينا أن نكون في موقع المسؤولية أمام جماهيرنا ، حتى وإن كنا في موقع الضعف والعجز ، ولا يجوز لهذه الفصائل أن تسهم في رفض الموقف الوطني الجماهيري ، حتى ولو لم يكن لدينا سوى ان نقول لا : أن هناك من يخون التاريخ ويخون الحاضر . يجب أن نخاطب جماهيرنا بصدق ونؤشر على كل من يبيع فلسطين وقضية فلسطين . وعلينا أن نسّمي الأسماء بأسمائها وأن لانضلل ولا نكذب على جماهيرنا . لذا نحن معنيون بتفاعل وطني صادق مع الجميع ، وأن نصل إلى الصيغة التي تجيب على هذا الموضوع ، وفي هذا الصدد فإننا نرفض صيغة المجلس التوحيدي والحوار الشامل حسبما يفهمه أصحاب تلك الصيغة . فالحوار الشامل هو بين الوطنيين فقط وهو الذي يضع سياسات صحيحة وعلاقات تنظيمية صحيحة . س : الأخ أبو خالد كنتم في بيروت تتحدثون عن امكانية الصمود ، وقلتم لا للانسحاب من بيروت .. هل يمكن أن تشرحوا لنا كيف كان تقديركم للموقف آنذاك ؟ الأخ أبو خالد : هذا سؤال كبير يحتاج لندوة كاملة عن بيروت وصمودها ، انما مبرر وجود أية ثورة أن تقاتل اعداءها ، ليس صحيحاً أن نقف امام الزحف الصهيوني على أبواب بيروت ومن ثم ندير ظهورنا لجماهيرنا كما حصل ، إن المأزق الذي وقعت فيه القوى الديموقراطية والثورية في بيروت وبشكل عام الثورة يجب ان لايمر دون دراسة واستخلاص النتائج . ان أية ثورة لاتضع في حسابها بأنها قد تحاصر في مواقعها هذه ليست ثورة ، وليست ثورة أيضاً من تترك جماهيرنا . قد يسقط موقع للثورة ، إنما الثورة التي تضع مصالح قياداتها الشخصية فوق مصالح جماهيرها فإن ذلك يعني العار . إن المفاهيم التي يتسلح بها المناضل المنتمي للثورة تتلخص بأن مبرر وجوده إذا كان صادقاً في هذا الانتماء هو انه مقاتل لمصلحة هذه الجماهير ، ليس فقط الجماهير الموجودة في يافا وحيفا ، إنما في صبرا وشاتيلا وصيدا والبقاع أيضاً وعلى كل ذرة من تراب وطننا العربي ، فمعركة بيروت ملحمة كبيرة لها سلبياتها وإيجابياتها ، ولكن احد أهم الدروس التي استخلصناها من بيروت انه يمكن الاستمرار بالقتال لأشهر اخرى ، القتال المباشر على صعيد البندقية والـ ر. بي . جي والقنبلة اليدوية والسلاح المتوسط ، وانه كان لدينا ما يؤهلنا لخوض معركة تستمر أشهراً أخرى ، وللأمانة أقول أن هذا الدرس قد تحدثنا حوله مع بعض الرفاق في الاسبوع الثالث من المعركة ( إذا كانت ذاكرتي جيدة ) في خلال لقاء رسمي مع فصيل شعرنا انه بدأ يهتز فقد وجه لنا مجموعة اسئلة حول امكانيات الصمود في بيروت . للأسف عوامل خروجنا من بيروت كشفت لنا كفلسطينيين ولبنانيين هشاشة بنانا ومعنا رفيق من الحزب الشيوعي اللبناني سيحدثكم بالتأكيد حول هذا الموضوع في ندوة الأسبوع القادم . لذلك ما جرى في بيروت امتحان مفصل حدد كثيراً من القضايا وهذا بتقديري ليس خطأ فمن الممكن التحدث عن ذلك في مراحل قادمة من قبل أي اخ من الأخوة الذين عايشوا معركة بيروت . اننا نعني فهمنا ونستخلص تجاربنا ودروسنا ، فمن تجاربنا نستفيد لمواصلة المعركة في سياق صراعنا المستمر . س : حول القرار الفلسطيني المستقل ، وما يشاع عن عملية الاحتواء ، أي احتواء الانتفاضة من قبل سوريا ، وما هو ردكم على الكلام . الأخ أبو خالد : هذا الحديث أصبح " كليشة " رددت منذ اليوم الأول للإنتفاضة نحن لانفهم القرار الفلسطيني المستقل خارج سياق عملية التحرير ، وعلى الأقل كما حددتها حركة " فتح " التي لا زلنا نقف عند حدود برنامجها ونظامها الذي يقول ان تحرير فلسطين واجب قومي وديني وإنساني . فحركتنا حددت جبهة الأصدقاء ببعدها الوطني والقومي والأممي ، بمعنى ان جدلية العرقة بين جدلية العلاقة بين الوطني والقومي والطبقي في سياق عملية الصراع هو الذي يسهم بإفرازاته الجادة في عملية التحرير ، من هنا نقول ان هذا الصوت الذي كان يلعلع خارج هذا الفهم محاولاً تعميق روح الشوفينية الأقليمية ، يجب إسكاته ويجب ان تكون في الثورة الفلسطينية أكثر قدرة على ادراك جدلية هذه العلاقة في سياقها القومي في عملية التحرير . يجب إسقاط هذا الفهم الذي كان عرفات يحاول غرسه وتعميقه في أذهان الفلسطينيين " يا وحدنا " وكان الفلسطينيين خارج سياق التاريخ والجغرافيا ، ويستطيعون حل مشاكلهم لوحدهم . وأعتقد أن ما جرى مؤخراً من تطورات على الساحة اللبنانية أكدت أن لا اللبناني ولا السوري ولا الفلسطيني ولا الأردني قادر على مشكلته لوحده وإطلاقاً ، نحن نواجه جبهة اعداء متماسكة فبالضرورة يجب أن نكون مدركين لموقعنا في سياق هذه العملية النضالية الثورية ، من هنا نقول ان القرار الفلسطيني المستقل ، يتحدد بتمايزه في سياق الصراع على قاعدة ان هناك فلسطينيين في فلسطين ، لهم دور طليعي في عملية مواجهة هذا الكيان ، بخلخلة امن هذا الكيان وضرب إمكانية ان يكون قاعدة آمنة ومستقرة هذا هو البعد الفلسطيني المتميز في سياق العملية النضالية الثورية في مواجهة اعدائنا ، بغير ذلك لا نفهم إطلاقاً أي معنى لقرار فلسطيني مستقل إذا كان المقصود العلاقة مع سوريا في هذه المرحلة تشكل إحتواء لنا فنحن نقول لا ، نحن لايمكن ان نحتوى ، فالعمل الثوري يعطيني الحق لأقول قناعاتي تماماً في أي وضع عربي ، وإلا فبأي حق يقول أي منكم أن السادات خائن ويقول ان هذا النظام أو ذاك ينحرف عن قضايا الأمة . كما انه يحق للنظام السوري من موقع رؤيته الصائبة للصراع أن يشير إلى أي خلل في اي وضع عربي ، وليس في الوضع الفلسطيني فقط ، وما جرى في مصر خير دليل على ذلك ، فالجهد القومي الكبير الذي اخرج من ميدان الصراع كان له أثر سلبي على مجمل وضعنا العربي . إذاً فنحن نرى هذه العملية في سياقها الصحيح ، فقضية علاقتنا مع أي نظام عربي تحدد كما حددتها حركة " فتح " على قاعدة موقف هذا النظام أو ذاك من الكفاح المسلح واستمرار الثورة س : أين وصلتم مع الحركة الوطنية اللبنانية وحركة " أمل " والحزب التقدمي الاشتراكي وخاصة الحزب الشيوعي اللبناني ؟ الأخ أبو خالد : إن رحلة العلاقة مع القوى الوطنية اللبنانية لم تكتمل بعد ، إنما هناك ثوابت عامة وبالضرورة فنحن لا نوّد أن نعيد شكل العلاقات التي كانت سائدة في المرحلة الماضية ، والعلاقة مع القوى الوطنية اللبنانية بحاجة إلى إعادة نظر من خلال فهمنا لطبيعة الوضع على الساحة اللبنانية ، وحتى داخل الصف الوطني ، هناك تباينات ، وعلينا ان نرسم صورة ن لعلاقة جادة وحوار جاد من خلال تعميق التجربة الكفاحية بين الشعبين الفلسطيني واللبناني التي يحكمها الهدف المركزي الراهن وهو دحر الاحتلال الصهيوني من جنوب لبنان بالتحالف مع كل الثوريين العرب ، كخطوة باتجاه التحرير ، والأمر يتعلق بجغرافية لبنان وإذا كان الأمر مقتصراً فقط على الجغرافيا ، فلا داعي أن نقاتل وإذا كنا نقاتل من اجل جغرافية فلسطين فلا داعي للبناني أن يقاتل معنا ، إذاً نحن نفهم العلاقة مع القوى اللبنانية على قاعدة فهمنا لطبيعة الصراع ، على طبيعة فهمنا لطبيعة هذا الكيان ، نحن معنيون ان نطوّر العلاقة على أسس ثورية ، وقد قطعنا شوطاً معقولاً من ذلك . س : ماهو موقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ماهي مقدماته ونتائجه ؟ ماهو رأيكم ، وماهو تفسيركم لموقف الجبهة ، ونهجها في الساحة الفلسطينية، وماهو تقديركم لموقفها في الفترة أي بعد عقد مجلس عمان ؟ الأخ أبو خالد : لقد تحدثنا في السياق العام من هذا الموضوع ، الجبهة الديموقراطية تعتبر ما جرى في عمان شرعياً ، كيف يمكن للإنسان ان يلغي دوره ؟ ويبدو أن ماجرى في عمان منسجم تماماً مع رؤية إخواننا في الديموقراطية ، للأسف هذا موقف لايحتاج إلى إجتهاد ففي أدبياتهم يكتبون هذا بوضوح ، إن أقل ما يقال ان هذا الموقف هو موقف منسجم إلى حد كبير مع عرفات ، وهذا ليس بجديد ، إنما الجديد ان خلافاً على هذا الفهم قد جرى داخل التحالف الديموقراطي ، وإن نتائجه لم تتبلور بعد ، ولكن هناك تمايزاً نسبياً في موقف رفاقنا في الجبهة الشعبية والذي قلنا انه نتيجة لأن يكون افضل واوضح من موقفهم السابق . ولا نتكلم هنا من موقع الأستذة وإنما من موقع تسمية الأشياء بمسمياتها لقد قلنا لرفاقنا في الجبهة الشعبية وبصراحة إن ما جاء في بيانهم بعد انعقاد مجلس عمان والذي طالب بالمجلس التوحيدي والحوار الشامل ، ان هذا الموقف مستهجن لأنه متناقض على الأقل مع ما كنا سمعناه في أكثر من لقاء مع رفاقنا في الشعبية . لقد تحدثوا معنا بما يشير إلى ان موقفهم من الحوار يتوقف على إلغاء ما جرى في عمان سياسياً وتنظيمياً ، وقلت لهم اننا نخالفهم الرأي حتى في هذا الأمر لأن قضية الحوار هي قضية مفصلية بالنسبة لنا ، في داخل حركة " فتح " أولاً وفي التحالف الوطني ثانياً ، ان أي طرف فلسطيني لا يحدد موقفه بوضوح من عرفات ولجنته المركزية ، سيكون موقفه غير مؤهل للأصطفاف الوطني ولبناء الصيغة التي تستطيع الإجابة على المعضلة الوطنية . من لديه قناعة أن هناك فرقاً بين لجنة عرفات المركزية وعرفات ليأت ويقنعنا بموقفه ، وسنكون اول الناس الذين يؤدون التحية للرأي الذي يصون الموقف الوطني ، هذه اوهام ليست صحيحة ، فمعركتنا طويلة ونحن قلنا لرفاقنا ان عرفات منحرف ، وأصبح في موقع الخيانة ولا يجوز ان تسلم ( م . ت . ف ) لعرفات وكل من لا يعتقد بذلك يخدم بموقفه عرفات موضوعياً ويخدم البرنامج المضاد بحسن نيّة أو بسوء نيّة . نحن نقولها بصدق في تحالفنا الوطني لن نسمح بتكرار لعبة ما بعد القاهرة لقد حددنا فترة زمنية للحوار في ساحتنا الفلسطينية إذا توصلنا إلى الفهم المشترك وأقلعنا سوياً وأهلاً وسهلاً ، بمن يتقاطع في الموقف الوطني ، لكن لن ننتظر طويلاً وفي تقديرنا ان فترة الانتظار لن تتجاوز بضعة أشهر . س : انتم تطرحون شعارات كبيرة وتعتبرون انفسكم جزءاً من تيار في الساحة العربية يتمحور حول حرب التحرير الشعبية طريقاً لتحرير فلسطين ، كيف ترون ذلك في ضوء المرحلة الراهنة وما هو رأيكم بالبرنامج المرحلي ؟ الأخ أبو خالد : أعتقد أنه عندما نقول ( 1+ 1 = 3 ) نكون قد كذبنا أو أخطأنا الحساب ، نريد أن نقول انه مهما كان الحال في الوضع في الساحة العربية متردياً ، فإن ما نعتقده نضالياً وعلمياً حول موضوع حرب التحرير الشعبية والكفاح المسلح ليس شعارات جوفاء ، والمهم كيف نعطيها مضامينها وكيف نجسدها لأنه بدون هذا سوف نسهم في دفع جماهيرنا الفلسطينية والعربية إلى حالة اليأس ، من هنا سنبقى نطرح فهمنا للصراع حتى وإن توصلنا جبهوياً إلى أي تقاطع أو برنامج حد أدنى فلن نلغي للحظة واحدة موقفنا الحركي . لن نكذب بعد الذي جرى والذي كاد أن ينهي الثورة وان يصفي القضية نحن صادرنا دور جماهيرنا ، هناك كثير من القضايا يجب أن تعلن على الملأ ويجب ان نكون على الأقل أوفياء لهذا الدم لهذا النضال الذي بلغ عمره قرناً من الزمان . لا توجد أمة تقبل أن تستسلم لأعدائها اطلاقاً ، وإذا استسلمت فلن تبقى أمة ، فمن الممكن أن تحتاج مجابهة الغزوة الصهيونية ودحرها لسنوات طويلة ولكن يجب علينا ، أن نصارح الجماهير لإعداد نفسها لحرب شعبية طويلة يجب عدم الكذب على الجماهير ، نحن لسنا مع البرنامج المرحلي إطلاقاً لأن هذا تزييف لفهم الصراع ، هذا البرنامج المرحلي ليس مرحلياً إنما هو خطوة سقوط على قاعدة الاعتراف بالكيان الصهيوني ، نحن نفهم المرحلية في ضوء شروط التحرير لوطننا وأمتنا ، تحرير متر واحد من فلسطين يتطلب وجود واقع ثوري حول فلسطين بمعنى هذا الواقع الثوري هو القادر على إلغاء وظيفة الكيان الصيوني في تطويع حركة الجماهير العربية هكذا نفهم المرحلية ، يجب علينا وقف الهجوم الامبريالي الصهيوني ومحاولته تعميم برنامجه وفرضه على أمتنا . إن قرار التحرير يتم بتفاعل ونضال جماهير امتنا ووجود الواقع الثوري ووجود الواقع الثوري حول فلسطين ودون هذا الواقع الثوري ودون الشروط ، لايحلم احد منا ان شبراً واحداً من فلسطين يعود إلا على قاعدة الارتماء في احضان المشاريع المعادية والأمريكية . أمة من محيطها غلى خليجها تفقد استقلالها ومن الكذب والزيف ان نقول بأن هذه الأمة تتمتع باستقلال وطني ، أين الخليج وعمان ، عمّان وبغداد والسودان ومصر والمغرب أين هم الآن وفي أي موقع منخرطون ؟ فحتى نكون صادقين يجب القول ان معركتنا معركة الأمة ، معركة الثوريين طلائع هذه الأمة والذين هم جزء من المعركة وجزء هام منها يجب ان يقولوا لجماهيرهم الحقيقة ، والحقيقة العلمية ، فلا تزييف على جماهيرنا باسم السمسرة وباسم التكتيك ، هذه ليست علمية ولا ثورية ولا يسارية . س : توجد مجموعة أسئلة حول " فتح " ويمكن إجمالها بشكل عام على الوجه الآتي : - هل تستطيعون تطوير حركة فتح رغم تراثها وتقاليدها السابقة إلى حركة وطنية ديموقراطية مع العلم أن هذا يحتاج إلى خط سياسي واضح ومحدد ببنية تنظيمية صلبة وعلاقات ديموقراطية صحيحة . هل انتم جادون في ذلك واين وصلتم على هذا الصعيد ؟ . - ما هي الاصلاحات التنظيمية التي قامت بها الحركة على مستوى بنائها الداخلي وما هي الخطوات العملية لعقد المؤتمر الحركي ، وأين وصلت هذه الترتيبات ؟؟ الأخ أبو خالد : هناك شقان للمسألة ، الشق الأول لايقال في هذه الندوة لأنه قضية تنظيمية تطرح عبر الأطر ، والشق الثاني يتعلق بقضية عامة نجيب عليه . نعم نناضل من اجل حركة وطنية ديموقراطية عبر برنامجها ونظامها واعتقد أن برنامجنا ونظامنا الأساسي جيدان والمهم كيف نصوغ علاقات ، كيف نهدم إرثاً موجوداً داخلنا هذه قضية ليست متعلقة بقرار إنما عملية نضالية طويلة ، ويجب ان يعلم الجميع أن ماهو في داخلنا من إرث ليس بمقدور احد أن يدّعي أحد أنه غير موجود في بقية التنظيمات المتواجدة على الساحة الفلسطينية لكننا في " فتح " انتفضنا على هذا الإرث ونحن نطّهر صفوفنا باستمرار .