نقاش:علم الخط
أضف موضوعًاالخطّ العربي علي سعيد البيك للحضارة الإسلاميّة خصائص عديدة، منها: انفراد عمارتها ـ دون سائر الحضارات ـ بعنصر زخرفي طريف هو الخطّ العربي. وقد أدرجه بعض الباحثين مع الفنون التشكيلية الحقيقية؛ لتركيبه المتوازن وتناغمه مع السطوح التي يحتلّها والموادّ التي يطوّعها. والحرف واللفظة والسطر لا تصل إلى الحجر إلاّ بعد أن يتعاون الخطّاط والرسام والحفّار والخزّاف والمذهِّب وغيرهم من الفنانين على تجاوز التعبير المحدود، فيصبح الخطّ عنصراً مستقلاً بذاته، وينتهي دوره كوسيلة ليصبح غاية متكاملة الوجود، روحانية الجمالية، تجريدية المفهوم. والخطّ العربي مهيّأ أصلاً ـ مدلولاً وتركيباً ـ لتأدية هذه المهمة واحتلال تلك المكانة؛ ِلما أُحيط به من قدسيّة، ولما تضمّنت تسطيراته والتواءاته من حرية تشكيلية وحركة إيقاعيّة. وعلى الرغم من كثرة أنواعه فقد ظلّ «الكوفي» يهيمن وحده على العمارة حتّى القرن السادس الهجري/ الثاني عشر الميلادي، في القَيروان، ومع الفاطميين والسلاجقة والغَزنويين، وبعد ثلاثة قرون بلغ الذروة. وإذا كان الكوفي بكل أنواعه قد استُخدم في زخرفة العمارة فإنّ الخط المائل والمدوّر قد انتدب «الثُّلث» وحده تقريباً ليقف متحدّياً الخطّ الهندسي الأنيق. وكانت بعض المواد البنائية تلائم نوعاً من الخطوط أكثر من الآخر، فالقراميد الفخّارية والتراكيب الفُسَيفسائية مثلاً لم تكن ليُكتب فيها غير الكوفي. ولكنّ هذا لم يمنع من تناغمه مع الثلث على الحجر المحفور والخشب المنقور والجصّ المنقوش والمعدن المكفَّت والخزف الملوّن. ثمّ ينتشر كلٌّ على حدة أو يتوزّعان الأدوار على القباب والمآذن والمداخل والمحاريب والإزارات والبِرَك والأسبِلة والشبابيك والأبواب وتيجان الأعمدة وشواهد القبور وأغطية الصناديق ومصاريع الخزائن. ولم يقف الخطّ العربي ـ كعنصر زخرفي ـ عند حدود، فانتشر في العالم القديم كلّه: من الصين إلى أوربا. ووصوله إلى الشرق الأقصى غير مستغرب؛ فقد ترافق مع انتشار الإسلام. أما انتشاره في الغرب وفي أماكن العبادة فيها وعلى رموزها بشكل خاص فإنّما يؤكد جماليته التي تتجاوز حدود المعتقَد، وطابعه الحضاري الإنساني. وبعيداً عن مدلول ألفاظ عباراته نجد الخط العربي في أعمال بيزنطية، ولدى «بدائيين» إيطاليين، وفنانين من العصر الوسيط وعصر النهضة الأوربية، وفي كنيسة مدينة «لوبوي» في فرنسا وغيرها كثير. وهكذا نلاحظ أن الإعجاب بجمالية الخطّ العربي لم يقتصر على بلد دون آخر، ولم يتوقف عند عصر، وما زال مَعيناً يستوحيه الفنانون وتحفة يقدّرها متذوّقو الفن الرفيع.
(عن: موسوعة العمارة الإسلاميّة 178 ـ 180)